الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ وَأَهْلُ السُّهْمَانِ مَوْجُودِينَ فَكَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ وَاحِدٌ يَسْتَغْرِقُ سَهْمَهُ وَمِسْكِينٌ وَاحِدٌ يَسْتَغْرِقُ سَهْمَهُ وَغَارِمُونَ مِائَةٌ يَعْجَزُ السَّهْمُ كُلُّهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَسَأَلَ الْغَارِمُونَ أَنْ يُعْطَى الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ ثُلُثَ سَهْمٍ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي عَلَيْهِ أَنْ يُعْطَى إذَا وُجِدُوا ثَلاَثَةٌ، قِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لاَ تَسْتَحِقُّونَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ شَيْئًا أَبَدًا مَا كَانَ مِنْهُمْ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالسَّهْمُ مَجْمُوعٌ مُقْتَصَرٌ بِهِ عَلَيْهِمْ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَإِذَا فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ كُنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِيهِ سَوَاءٌ وَأَنْتُمْ لاَ تَسْتَحِقُّونَ إلَّا بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي جَمِيعِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ غَارِمُونَ لاَ أَمْوَالَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ فَأُعْطُوا مَبْلَغَ غُرْمِهِمْ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَقَالُوا: نَحْنُ فُقَرَاءُ غَارِمُونَ، فَقَدْ أُعْطِينَا بِالْغُرْمِ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَا أَهْلَ فَقْرٍ، قِيلَ لَهُمْ: إنَّمَا نُعْطِيكُمْ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، لَوْ كَانَ هَذَا عَلَى الِابْتِدَاءِ فَقَالَ: أَنَا فَقِيرٌ غَارِمٌ، قِيلَ لَهُ: اخْتَرْ بِأَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ شِئْت أَعْطَيْنَاك، فَإِنْ شِئْت بِمَعْنَى الْفَقْرِ، وَإِنْ شِئْت بِمَعْنَى الْغُرْمِ. فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ هُوَ أَكْثَرُ لَهُ أَعْطَيْنَاهُ، وَإِنْ اخْتَارَ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ لِعَطَائِهِ أَعْطَيْنَاهُ وَأَيُّهُمَا قَالَ هُوَ الْأَكْثَرُ أَعْطَيْنَاهُ بِهِ وَلَمْ نُعْطِهِ بِالْآخَرِ، فَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِاسْمِ الْفَقْرِ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّا فِي يَدِهِ حُقُوقَهُمْ كَمَا لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مَالاً لَوْ كَانَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَيْنَاهُ بِمَعْنَى الْغُرْمِ، فَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِمَعْنَى الْغُرْمِ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَلَّى دَفْعَهُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَعْطَاهُ جَازَ كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ قَالَ: وَلِمَ لاَ أُعْطَى بِمَعْنَيَيْنِ إذَا كُنْت مِنْ أَهْلِهِمَا مَعًا؟ قِيلَ الْفَقِيرُ الْمِسْكِينُ وَالْمِسْكِينُ فَقِيرٌ بِحَالٍ يَجْمَعُهُمَا اسْمٌ وَيَفْتَرِقُ بِهِمَا اسْمٌ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى ذَلِكَ الْمِسْكِينُ فَيُعْطَى الْفَقِيرُ بِالْمَسْكَنَةِ مَعَ الْفَقْرِ وَالْمِسْكِينُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَحَدُهُمَا إلَّا بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى رَجُلٌ ذُو سَهْمٍ إلَّا بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، لَوْ جَازَ هَذَا، جَازَ أَنْ يُعْطَى رَجُلٌ بِفَقْرٍ وَغُرْمٍ وَبِأَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، وَغَازٍ وَمُؤَلَّفٌ وَعَامِلٌ، فَيُعْطَى بِهَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ مِنْ دَلاَلَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَقْرِ يَلْزَمُ الْمِسْكِينَ؟ وَالْمَسْكَنَةُ تَلْزَمُ الْفَقِيرَ؟ قِيلَ: نَعَمْ. مَعْنَى الْفَقْرِ مَعْنَى الْمَسْكَنَةِ، وَمَعْنَى الْمَسْكَنَةِ مَعْنَى الْفَقْرِ، فَإِذَا جُمِعَا مَعًا، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالَيْهِمَا بِأَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ الَّذِي بُدِئَ بِهِ أَشَدَّهُمَا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللِّسَانِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ فَقِيرٌ مِسْكِينٌ وَمِسْكِينٌ فَقِيرٌ، وَإِنَّمَا الْمَسْكَنَةُ وَالْفَقْرُ لاَ يَكُونَانِ بِحِرْفَةٍ وَلاَ مَالٍ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ لاَ يَسَعُ أَهْلَ الْأَمْوَالِ حَبْسُهُ عَمَّنْ أُمِرُوا بِدَفْعِهِ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ وُلاَتِهِ، وَلاَ يَسَعُ الْوُلاَةَ تَرْكُهُ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَهْلِهِ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاَتَك سَكَنٌ لَهُمْ}. فَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلاَلَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ مَنْعُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ وَلاَ لِمَنْ وَلِيَهُمْ تَرْكُ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلاَ عَلَيْهِمْ. أَخْبَرَنَا: إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذَا الصَّدَقَةَ مُثَنَّاةً وَلَكِنْ كَانَا يَبْعَثَانِ عَلَيْهَا فِي الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ وَالسِّمَنِ وَالْعَجَفِ وَلاَ يُضَمِّنَانِهَا أَهْلَهَا وَلاَ يُؤَخِّرَانِهَا عَنْ كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا فِي كُلِّ عَامٍ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا عَامًا لاَ يَأْخُذُهَا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَالطَّهُورَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالدُّعَاءَ بِالْأَجْرِ وَالْبَرَكَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَخَذَ صَدَقَةَ مُسْلِمٍ دَعَا لَهُ بِالْأَجْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيْ اُدْعُ لَهُمْ فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَهُوَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ زَكَاةٌ وَطَهُورٌ أَمْرُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَإِنْ سُمِّيَتْ مَرَّةً زَكَاةً وَمَرَّةً صَدَقَةً هُمَا اسْمَانِ لَهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَبُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِالْأَسْمَاءِ الْكَثِيرَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ. يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْ الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ صَدَقَةً فَقَالَ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةُ تَقُولُ: إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ يَعْنِي الَّذِي يَأْخُذُ الْمَاشِيَةَ وَتَقُولُ إذَا جَاءَ السَّاعِي، وَإِذَا جَاءَ الْعَامِلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلاَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلاَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَغْلَبُ عَلَى أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ أَنَّ فِي التَّمْرِ الْعُشْرَ وَفِي الْمَاشِيَةِ الصَّدَقَةَ وَفِي الْوَرِقِ الزَّكَاةَ، وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كُلَّهُ صَدَقَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَهُ صَدَقَةٌ وَزَكَاةٌ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَهُمْ مَعْنًى وَاحِدٌ، فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ صَدَقَةِ مَالِهِ ضَأْنًا كَانَ، أَوْ مَاشِيَةً، أَوْ زَرْعًا، أَوْ زَكَاةَ فِطْرٍ، أَوْ خُمُسَ رِكَازٍ، أَوْ صَدَقَةَ مَعْدِنٍ، أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْمُسْلِمِينَ فَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ وَقَسْمُهُ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ كَمَا قَسَمَهُ اللَّهُ. الصَّدَقَاتُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ طَهُورٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَسْمُ الْفَيْءِ خِلاَفُ قَسْمِ هَذَا وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ هُوَ بِهِ لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ هُوَ مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. قال: يُقْسَمُ مَا أُخِذَ مِنْ حَقِّ مُسْلِمٍ وَجَبَ فِي مَالِهِ بِقَسْمِ اللَّهِ فِي الصَّدَقَاتِ سَوَاءٌ قَلِيلُ مَا أُخِذَ مِنْهُ وَكَثِيرُهُ، وَعُشْرُ مَا كَانَ، أَوْ خُمُسٌ، أَوْ رُبُعُ عُشْرٍ، أَوْ بِعَدَدٍ مُخْتَلِفٍ أَنْ يَسْتَوِيَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَجْمَعُهُ كُلَّهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآيَةَ. فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ الصَّدَقَاتُ ثُمَّ وَكَّدَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ: {فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فَقَسْمُ كُلِّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ سُهْمَانٌ ثَمَانِيَةٌ لاَ يُصْرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلاَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ أَهْلِهِ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ وَلاَ تُخْرَجُ صَدَقَةُ قَوْمٍ مِنْهُمْ عَنْ بَلَدِهِمْ وَفِي بَلَدِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ: «فَإِنْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَشَدْتُك اللَّهَ آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْفُقَرَاءُ هَا هُنَا كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ حَاجَةٍ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّهُمْ إنَّمَا يُعْطَى بِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَّا بِالِاسْمِ فَلَوْ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يُعْطَ، وَإِنَّمَا يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ الْمُحْتَاجُ إلَى السِّلاَحِ فِي وَقْتِهِ الَّذِي يُعْطَى فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الَّذِينَ يُوجَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُدَّتْ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى مَنْ وُجِدَ، كَأَنْ وُجِدَ فِيهِمْ فُقَرَاءُ وَمَسَاكِينُ وَغَارِمُونَ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ، فَقَسْمُ الثَّمَانِيَةِ الْأَسْهُمِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَبَيَانُ هَذَا فِي أَسْفَلِ الْكِتَابِ فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَالِهِمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَاتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا صِفَاتُهَا، فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لاَ حِرْفَةَ لَهُمْ وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ الَّذِينَ لاَ تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ وَلاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ وَالْمَسَاكِينَ السُّؤَالَ وَمَنْ لاَ يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلاَ تُغْنِيهِ وَلاَ عِيَالَهُ، فَإِنْ طَلَبَ الصَّدَقَةَ بِالْمَسْكَنَةِ رَجُلٌ جَلْدٌ فَعَلِمَ الْوَالِي أَنَّهُ صَحِيحٌ مُكْتَسِبٌ يُغْنِي عِيَالَهُ بِشَيْءٍ إنْ كَانَ لَهُ وَبِكَسْبِهِ إذْ لاَ عِيَالَ لَهُ فَعَلِمَ الْوَالِي أَنَّهُ يُغْنِي نَفْسَهُ بِكَسْبِهِ غِنًى مَعْرُوفًا لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَإِنْ قَالَ السَّائِلُ لَهَا يَعْنِي الصَّدَقَةَ الْجَلَدُ لَسْت مُكْتَسِبًا، أَوْ أَنَا مُكْتَسِبٌ لاَ يُغْنِينِي كَسْبِي، أَوْ لاَ يُغْنِي عِيَالِي وَلِي عِيَالٌ وَلَيْسَ عِنْدَ الْوَالِي يَقِينٌ مِنْ أَنَّ مَا قَالَ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيُعْطِيهِ الْوَالِي، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلاَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَصَعَّدَ فِيهِمَا وَصَوَّبَ وَقَالَ: «إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدًا وَصِحَّةً يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ وَأَعْلَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُمَا مَعَ الِاكْتِسَابِ الَّذِي يَسْتَغْنِيَانِ بِهِ أَنْ يَأْخُذَا مِنْهَا وَلاَ يَعْلَمُ أَمُكْتَسِبَانِ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكُمَا أَنْ لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ مُكْتَسِبٍ فَعَلْت، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَقُولاَنِ: أَعْطِنَا، فَإِنَّا ذَوَا حَظٍّ؛ لِأَنَّا لَسْنَا غَنِيَّيْنِ وَلاَ مُكْتَسِبَيْنِ كَسْبًا يُغْنِي، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: لاَ تَصْلُحُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُفِعَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ. وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَقَسْمَهَا مِنْ أَهْلِهَا كَانَ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَعَانَ الْوَالِيَ عَلَى جَمْعِهَا وَقَبْضِهَا مِنْ الْعُرَفَاءِ وَمَنْ لاَ غِنَى لِلْوَالِي عَنْهُ وَلاَ يُصْلِحُهَا إلَّا مَكَانُهُ، فَأَمَّا رَبُّ الْمَاشِيَةِ يَسُوقُهَا فَلَيْسَ مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَاشِيَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَانَ الْوَالِيَ عَلَيْهَا مِمَّنْ بِالْوَالِي الْغِنَى عَنْ مَعُونَتِهِ فَلَيْسَ مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الَّذِينَ لَهُمْ فِيهَا حَقٌّ، وَالْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَلِي قَبْضَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَا مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الْقَائِمِينَ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِهَا فَلَيْسَا عِنْدَنَا مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا لاَ يَلِيَانِ أَخْذَهَا، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِلَّذِي سَقَاهُ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ، فَإِذَا بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْتَقُونَ فَحَلَبُوا لِي مِنْ لَبَنِهَا فَجَعَلْته فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ إصْبَعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَامِلِ عَلَيْهِ، أَوْ الْغَارِمِ، أَوْ الرَّجُلِ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ الرَّجُلِ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ غِنَائِهِ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُوسِرًا إنَّمَا يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي مُتَقَدِّمٍ مِنْ الْأَخْبَارِ فَضَرْبَانِ ضَرْبٌ مُسْلِمُونَ مُطَاعُونَ أَشْرَافٌ يُجَاهِدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَلاَ يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِهِمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَجَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَوْا مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مَا يَتَأَلَّفُونَ بِهِ سِوَى سُهْمَانِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَتْ نَازِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ هَذَا السَّهْمَ خَالِصًا لِنَبِيِّهِ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ». يَعْنِي بِالْخُمُسِ حَقَّهُ مِنْ الْخُمُسِ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ يَعْنِي فِي مَصْلَحَتِكُمْ وَأَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْخُمُسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُمْ مِثْلُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَأَصْحَابِهِمَا وَلَمْ يُعْطِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبَّادَ بْنَ مِرْدَاسٍ وَكَانَ شَرِيفًا عَظِيمَ الْغَنَاءِ حَتَّى اسْتَعْتَبَ فَأَعْطَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا أَرَادَ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَيْءٌ حِينَ رَغِبَ عَمَّا صَنَعَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَعْطَاهُ عَلَى مَعْنَى مَا أَعْطَاهُمْ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ رَأَى؛ لِأَنَّهُ لَهُ خَالِصٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى النَّفْلِ وَغَيْرِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ وَقَدْ أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَعَارَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَاةً وَسِلاَحًا وَقَالَ فِيهِ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: غَلَبَتْ هَوَازِنُ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ. فَقَالَ صَفْوَانُ: بِفِيك الْحَجَرُ فَوَاَللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَبِّ هَوَازِنَ وَأَسْلَمَ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ كَأَنَّهُ لاَ يُشَكُّ فِي إسْلاَمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا مُثْبَتٌ فِي كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا رَأَيْت أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِلِاقْتِدَاءِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ هَذَا السَّهْمُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ سَهْمَهُ حَيْثُ رَأَى، فَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مَرَّةً وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ رِجَالاً مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ فَلاَ يُعْطَى الْيَوْمَ أَحَدٌ عَلَى هَذَا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَعْطَى أَحَدًا بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ، لَوْ قَالَ هَذَا أَحَدٌ، كَانَ مَذْهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي سَهْمِ الصَّدَقَاتِ سَهْمٌ، وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- أَحْسِبُهُ- بِثَلَثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلاَثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلاَءً حَسَنًا وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ أَنْ يُعْرَفَ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلاَلِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ قِسْمِ الْمُؤَلَّفَةِ فَإِمَّا زَادَهُ لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا يَصْنَعُ، وَإِمَّا أَعْطَاهُ لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لاَ يَثِقُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا يَثِقُ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ مِمَّا يَنْزِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْعَدُوُّ بِمَوْضِعٍ شَاطٍّ لاَ تَنَالُهُ الْجُيُوشُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَيَكُونُ الْعَدُوُّ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأَعَانَ عَلَيْهِمْ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ إمَّا بِنِيَّةٍ فَأَرَى أَنْ يُقَوَّى بِسَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لاَ يُقَاتِلُونَ إلَّا بِأَنْ يُعْطَوْا سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ، أَوْ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَرَبُ أَشْرَافًا مُمْتَنِعِينَ غَيْرَ ذِي نِيَّةٍ إنْ أُعْطُوا مِنْ صَدَقَاتِهِمْ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا إذَا كَانُوا إنْ أُعْطُوا أَعَانُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا أَعَانُوا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا لَمْ يُوثَقْ بِمَعُونَتِهِمْ رَأَيْت أَنْ يُعْطَوْا بِهَذَا الْمَعْنَى إذَا انْتَاطَ الْعَدُوُّ وَكَانُوا أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ يُوَجَّهُونَ إلَيْهِ تَبْعُدُ دَارُهُمْ وَتَثْقُلُ مُؤْنَتُهُمْ وَيَضْعُفُونَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِمَّا كَانَ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ امْتِنَاعِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الرِّدَّةِ وَغَيْرِهَا لَمْ أَرَ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَرَأَيْت أَنْ يُرَدَّ سَهْمُهُمْ عَلَى السُّهْمَانِ مَعَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيًّا أَعْطَوْا أَحَدًا تَأَلُّفًا عَلَى الْإِسْلاَمِ وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ- وَلَهُ الْحَمْدُ- الْإِسْلاَمَ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ الرِّجَالُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَفِي الرِّقَابِ يَعْنِي الْمُكَاتَبِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلاَ يُشْتَرَى عَبْدٌ فَيُعْتَقُ. وَالْغَارِمُونَ كُلُّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ لَهُ عَرَضٌ يَحْتَمِلُ دَيْنَهُ، أَوْ لاَ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنَّمَا يُعْطَى الْغَارِمُونَ إذَا ادَّانُوا فِي حَمْلِ دِيَةٍ، أَوْ أَصَابَتْهُمْ جَائِحَةٌ، أَوْ كَانَ دَيْنُهُمْ فِي غَيْرِ فِسْقٍ وَلاَ سَرَفٍ وَلاَ مَعْصِيَةٍ، فَأَمَّا مَنْ ادَّانَ فِي مَعْصِيَةٍ فَلاَ أَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ، فَلَوْ امْتَنَعَ قَوْمٌ كَمَا وَصَفْت مِنْ أَدَاءِ الصَّدَقَةِ فَأَعَانَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ رَأَيْت أَنْ يُعْطَى مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا وَصَفْت شَيْءٌ، رُدَّ سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ إلَى السُّهْمَانِ مَعَهُ، وَابْنُ السَّبِيلِ عِنْدِي، ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَلَدَ غَيْرَ بَلَدِهِ، لاَ مَنْ لَزِمَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: يَنْبَغِي لِلسَّاعِي عَلَى الصَّدَقَاتِ أَنْ يَأْمُرَ بِإِحْصَاءِ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي عَمَلِهِ فَيَكُونُ فَرَاغُهُ مِنْ قَبْضِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ تَنَاهِي أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَحَالاَتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَيُحْصِي مَا صَارَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَيَعْزِلُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّ بِعَمَلِهِ ثُمَّ يَقْضِي جَمِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ السُّهْمَانِ كُلِّهِ عِنْدَهُمْ كَمَا أَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذَا كَانَ الْفُقَرَاءُ عَشَرَةً، وَالْمَسَاكِينُ عِشْرِينَ، وَالْغَارِمُونَ خَمْسَةً. وَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ سُهْمَانُهُمْ الثَّلاَثَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ، فَإِنْ كَانَ الْفُقَرَاءُ يَغْتَرِقُونَ سَهْمَهُمْ هُوَ أَلْفٌ، هُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، فَيَكُونُ سَهْمُهُمْ كَفَافًا يَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى حَدِّ الْغِنَى أُعْطُوهُ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُمْ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى حَدِّ الْغِنَى ثَلاَثَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، أَوْ أَقَلُّ، أَوْ أَكْثَرُ، أُعْطُوا مِنْهُ مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ اسْمِ الْفَقْرِ، وَيَصِيرُونَ بِهِ إلَى اسْمِ الْغِنَى وَيَقِفُ الْوَالِي مَا بَقِيَ مِنْهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ عَلَى الْمَسَاكِينِ سَهْمَهُمْ، هُوَ أَلْفٌ هَكَذَا، وَعَلَى الْغَارِمِينَ سَهْمُهُمْ هُوَ أَلْفٌ هَكَذَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قُلْت لِكُلِّ أَهْلِ صِنْفٍ مَوْجُودٍ سَهْمُهُمْ ثُمَّ اسْتَغْنَوْا بِبَعْضِ السَّهْمِ، فَلِمَ لاَ يُسَلِّمُ إلَيْهِمْ بَقِيَّتَهُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْته بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَمَّاهُ لَهُمْ مَعَ غَيْرِهِمْ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، هُوَ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَالْغُرْمُ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَصَارُوا إلَى الْغِنَى وَمِنْ الْغُرْمِ، فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ وَصَارُوا غَيْرَ غَارِمِينَ، فَلاَ يَكُونُونَ مِنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ اسْمُ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَذَا الِاسْمِ وَمَعْنَاهُ، وَهُمْ خَارِجُونَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ مِمَّنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ الْأَغْنِيَاءَ لَوْ سَأَلُوا بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُعْطَوْا مِنْهَا لَمْ يُعْطَوْا، وَقِيلَ لَسْتُمْ مِمَّنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلُوا بِالْغُرْمِ وَلَيْسُوا غَارِمِينَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ». إلَّا مَنْ اسْتَثْنَى، فَإِذَا أَعْطَيْتَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ فَصَارُوا أَغْنِيَاءَ فَهُمْ مِمَّنْ لاَ تَحِلُّ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ تَحِلَّ لَهُمْ كُنْت لَوْ أَعْطَيْتهمْ أَعْطَيْتهمْ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ وَلاَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُمْ، وَإِنَّمَا شَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إعْطَاءَ أَهْلِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ. قال: وَيَأْخُذُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِهِمْ فِي مِثْلِ كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ، فَيَأْخُذُ السَّاعِي نَفْسُهُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَيُعْطَى الْعَرِيفُ وَمَنْ يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكُلْفَتِهِ، وَذَلِكَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بِلاَدِهِ، وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنْهُمْ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ فِي نَفَقَتِهِ وَحَمُولَتِهِ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا وَكَانَ ضَعِيفًا، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا وَكَانَ جَلْدًا الْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهِ وَكَانَ غَنِيًّا بِالْمَشْيِ إلَيْهَا أُعْطِيَ مُؤْنَتَهُ فِي نَفَقَتِهِ بِلاَ حَمُولَةٍ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَأْتِيَ أُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى السَّهْمِ كُلِّهِ أُعْطِيَهُ كُلَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ابْنُ سَبِيلٍ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي عَلَى سَهْمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ أَعْطَيْت الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ وَالْغَارِمِينَ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ اسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْغُرْمِ وَلَمْ تُعْطِ الْعَامِلِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُمْ الِاسْمُ الَّذِي لَهُ أَعْطَيْتهمْ وَيَزُولَ؟ فَلَيْسَ لِلِاسْمِ أَعْطَيْتهمْ وَلَكِنْ لِلْمَعْنَى، وَكَانَ الْمَعْنَى إذَا زَالَ زَالَ الِاسْمُ وَنُسَمِّي الْعَامِلِينَ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ بِمَعْنَى الْبَلاَغِ، لَوْ أَنِّي أَعْطَيْت الْعَامِلَ وَابْنَ السَّبِيلِ جَمِيعَ السُّهْمَانِ وَأَمْثَالَهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْعَامِلِ اسْمُ الْعَامِلِ مَا لَمْ يُعْزَلْ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ اسْمُ ابْنِ السَّبِيلِ مَا دَامَ مُجْتَازًا، أَوْ كَانَ يُرِيدُ الِاجْتِيَازَ فَأَعْطَيْتهمَا، وَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالْغَارِمِينَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، غَيْرِ مُخْتَلِفٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ كَمَا اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمْ وَالْعَامِلُ إنَّمَا هُوَ مُدْخَلٌ عَلَيْهِمْ صَارَ لَهُ حَقٌّ مَعَهُمْ بِمَعْنَى كِفَايَةٍ وَصَلاَحٍ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَالْمَأْخُوذِ لَهُ، فَأُعْطِيَ أَجْرَ مِثْلِهِ وَبِهَذَا فِي الْعَامِلِ مَضَتْ الْآثَارُ وَعَلَيْهِ مَنْ أَدْرَكْت مِمَّنْ سَمِعْت مِنْهُ بِبَلَدِنَا، وَمَعْنَى ابْنِ السَّبِيلِ فِي أَنْ يُعْطَى مَا يُبَلِّغُهُ، إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ سَفَرِهِ إلَّا بِالْمَعُونَةِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى الْعَامِلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ وَيُعْطَى الْمُكَاتَبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَعْتِقَ قَلَّ ذَلِكَ، أَوْ كَثُرَ، حَتَّى يَغْتَرِقَ السَّهْمَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ- عِنْدَنَا- عَلَى أَنَّهُ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ لاَ يَعْجَزَ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى مَالِكِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَأَقْرَبَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا لَمْ تَكُنْ مُؤَلَّفَةٌ وَلاَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ يُرِيدُونَ الْجِهَادَ فَلَيْسَ فِيهِمْ أَهْلُ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ سَهْمِ مُؤَلَّفَةٍ، عَزَلْت سِهَامَهُمْ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ ابْنُ سَبِيلٍ وَلَمْ يَكُنْ غَارِمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ غَابُوا فَأُعْطُوا مَا يُبَلِّغُهُمْ وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ، أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ عُزِلَ أَيْضًا مَا يَفْضُلُ عَنْ كُلِّهِمْ ثُمَّ أُحْصِيَ مَا بَقِيَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الَّذِينَ لَمْ يُعْطَوْا، أَوْ أُعْطُوا فَلَمْ يَسْتَغْنُوا فَابْتُدِئَ قَسْمُ هَذَا الْمَالِ عَلَيْهِمْ كَمَا اُبْتُدِئَ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ فَجُزِّئَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، سَوَاءٌ كَانَ بَقِيَ فُقَرَاءُ وَمَسَاكِينُ لَمْ يَسْتَغْنُوا، وَغَارِمُونَ لَمْ تُقْضَ كُلُّ دُيُونِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَيُقْسَمُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ، فَإِنْ اسْتَغْنَى الْغَارِمُونَ بِسَهْمِهِمْ، هُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ أُعِيدَ فَضْلُ سَهْمِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ حَتَّى يَنْفَدَ، فَإِنْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ فَاسْتَغْنَى الْفُقَرَاءُ بِبَعْضِهِ رُدَّ مَا بَقِيَ عَلَى الْمَسَاكِينِ حَتَّى يَسْتَغْنُوا، فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ رَدَدْت مَا يَفْضُلُ مِنْ السُّهْمَانِ عَنْ حَاجَةِ أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَهْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مِثْلُ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَهُمْ وَأَنْتَ إذَا اجْتَمَعُوا جَعَلْت لِأَهْلِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمًا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا اجْتَمَعُوا كَانُوا شَرْعًا فِي الْحَاجَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَطْلُبُ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ، فَلاَ يَكُونُ لِي مَنْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ وَاحِدٌ لَمْ يُخَصِّصْ أَحَدًا مِنْهُمْ دُونَ أَحَدٍ فَأَقْسِمُ بَيْنَهُمْ مَعًا كَمَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعًا، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أُعْطِيَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمَهُ تَامًّا، وَإِنْ كَانَ يُغْنِيهِ أَقَلُّ مِنْهُ أَنْ بَيَّنَّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعْطَوْنَ بِمَعَانٍ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى. فَإِذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْمَعَانِي وَصَارَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ غَنِيًّا وَالْغَارِمُ غَيْرَ غَارِمٍ فَلَيْسُوا مِمَّنْ قَسَمَ لَهُ، لَوْ أَعْطَيْتهمْ كُنْت أَعْطَيْت مَنْ لَمْ أُؤْمَرْ بِهِ، لَوْ جَازَ أَنْ يُعْطَوْا بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا إلَى حَدِّ الْغِنَى وَالْخُرُوجِ مِنْ الْغُرْمِ جَازَ أَنْ يُعْطَاهَا أَهْلُ دَارِهِمْ وَيُسْهَمَ لِلْأَغْنِيَاءِ فَأُحِيلَتْ عَمَّنْ جُعِلَتْ لَهُ إلَى مَنْ لَمْ تُجْعَلْ لَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إحَالَتُهَا عَمَّا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَلاَ إعْطَاؤُهَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا اللَّهُ لَهَا، وَإِنَّمَا رَدِّي مَا فَضَلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ السُّهْمَانِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ الْغِنَى فِي أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لِقَوْمٍ بِمَعَانٍ، فَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، أَوْ اسْتَغْنَى، فَهَذَا مَالٌ لاَ مَالِكَ لَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ يُرَدُّ إلَيْهِ كَمَا يُرَدُّ عَطَايَا الْآدَمِيِّينَ وَوَصَايَاهُمْ لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي كَانَتْ الْوَصِيَّةُ رَاجِعَةً إلَى وَارِثِ الْمُوصِي، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَالُ مُخَالِفًا لِلْمَالِ يُورَثُ هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى عِنْدَنَا بِهِ فِي قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَقْرَبَ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ وَهَؤُلاَءِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يَبْقَ مُسْلِمٌ يَحْتَاجُ إلَّا وَلَهُ حَقٌّ سِوَاهُ، أَمَّا أَهْلُ الْفَيْءِ فَلاَ يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَةِ. وَأَمَّا أَهْلُ صَدَقَةٍ أُخْرَى فَهُوَ مَقْسُومٌ لَهُمْ صَدَقَتُهُمْ، لَوْ كَثُرَتْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّهَا فَكَمَا كَانُوا لاَ يُدْخِلُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ فَكَذَلِكَ لاَ يَدْخُلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا، لَوْ اسْتَغْنَى أَهْلُ عَمَلٍ بِبَعْضِ مَا قُسِمَ لَهُمْ فَفَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ لَرَأَيْت أَنْ يُنْقَلَ الْفَضْلُ عَنْهُمْ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ نَسَبًا وَدَارًا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِذَا ضَاقَتْ السُّهْمَانِ فَكَانَ الْفُقَرَاءُ أَلْفًا وَكَانَ سَهْمُهُمْ أَلْفًا وَالْغَارِمُونَ ثَلاَثَةً وَكَانَ غُرْمُهُمْ أَلْفًا وَسَهْمُهُمْ أَلْفًا، فَقَالَ الْفُقَرَاءُ: إنَّمَا يُغْنِينَا مِائَةُ أَلْفٍ، وَقَدْ يُخْرِجُ هَؤُلاَءِ مِنْ الْغُرْمِ أَلْفٌ، فَاجْمَعْ سَهْمَنَا وَسَهْمَهُمْ ثُمَّ اضْرِبْ لَنَا بِمِائَةِ سَهْمٍ مِنْ أَلْفٍ وَلَهُمْ سَهْمٌ وَاحِدٌ كَمَا يُقَسَّمُ هَذَا الْمَالُ لَوْ كَانَ بَيْنَنَا فَوْضَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ لِلْغَارِمِينَ سَهْمًا كَمَا ذَكَرَ لِلْفُقَرَاءِ سَهْمًا فَنَفُضُّ عَلَى الْغَارِمِينَ وَإِنْ اغْتَرَقُوا السَّهْمَ فَهُوَ لَهُمْ وَلَمْ يُعْطَوْا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطُوا، وَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ فَلَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ إنْ فَضَلَ مَعَكُمْ أَهْلُ سُهْمَانَ ذُكِرُوا مَعَكُمْ، وَلَكِنَّ مَا فَضَلَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ يُرَدُّ عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَيْرِكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعَكُمْ كَمَا يُبْتَدَأُ الْقَسْم بَيْنَكُمْ. وَكَذَلِكَ لَوْ كُنْتُمْ الْمُسْتَغْنِينَ وَالْغُرَمَاءُ غَيْرَ مُسْتَغْنِينَ لَمْ نُدْخِلْهُمْ عَلَيْكُمْ إلَّا بَعْدَ غِنَاكُمْ وَلَمْ نَجْعَلْهُمْ يُخَاصِمُونَكُمْ مَا اغْتَرَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سَهْمَهُ وَلاَ وَقْتَ فِيمَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ إلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لاَ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ يُعْطِي لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ فَقِيرًا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَا عَرَفَ النَّاسُ بِقَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ. وَالْعَرَبُ قَدِيمًا يَتَجَاوَرُونَ فِي بِوَادِيهِمْ وَقُرَاهُمْ بِالنَّسَبِ لِخَوْفِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَجَاوَرُونَ لِيَمْنَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا يَوْمَ يَصْدُقُونَ قُسِّمَتْ صَدَقَاتُهُمْ عَلَى فُقَرَائِهِمْ بِالْقَرَابَةِ وَالْجِوَارِ مَعًا. فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ بَادِيَةٍ وَكَانَ الْعَامِلُ الْوَالِي يَعْمَلُ فِيهِمْ عَلَى قَبِيلَةٍ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَبِيلَةِ يُخَالِطُ الْقَبِيلَةَ الْأُخْرَى الَّتِي لَيْسَ مِنْهَا دُونَ الَّتِي مِنْهَا، وَجِوَارُهُمْ وَخُلْطَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا يَنْتَجِعُونَ مَعًا وَيُقِيمُونَ مَعًا فَضَاقَتْ السُّهْمَانُ، قَسَمْنَاهَا عَلَى الْجُوَارِ دُونَ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ إنْ خَالَطَهُمْ عَجَمٌ غَيْرُهُمْ وَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْجُوَارِ، فَإِنْ كَانُوا عِنْدَ النُّجْعَةِ يَفْتَرِقُونَ مَرَّةً وَيَخْتَلِطُونَ أُخْرَى فَأُحِبُّ أَنْ لَوْ قَسَّمَهَا عَلَى النَّسَبِ إذَا اسْتَوَتْ الْحَالاَتُ وَكَانَ النَّسَبُ عِنْدِي أَوْلَى، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْحَالاَتُ فَالْجِوَارُ أَوْلَى مِنْ النَّسَبِ، وَإِنْ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ: لَنَا فُقَرَاءُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ وَهُمْ كَمَا وَصَفْت يَخْتَلِطُونَ فِي النُّجْعَةِ، أُحْصُوا مَعًا ثُمَّ فُضَّ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ، وَإِنْ كَانُوا بِأَطْرَافٍ مِنْ بَادِيَتِهِمْ مُتَبَاعِدَةٍ فَكَأَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ بِالطَّرَفِ وَهُوَ لَهُ أَلْزَمُ قُسِمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ الطَّرَفُ الَّذِي هُوَ لَهُ أَلْزَمَ كَالدَّارِ لَهُمْ، وَهَذَا إذَا كَانُوا مَعًا أَهْلَ نُجْعَةٍ لاَ دَارَ لَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَا، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُمْ دَارٌ يَكُونُونَ بِهَا أَلْزَمَ فَإِنِّي أُقَسِّمُهَا عَلَى الْجِوَارِ أَبَدًا، وَأَهْلُ الْإِرَاكِ وَالْحَمْضِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَلْزَمُونَ مَنَازِلَهُمْ فَأُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْجِوَارِ فِي الْمَنَازِلِ، وَإِنْ جَاوَرَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ قُسِّمَ عَلَى جِيرَانِهِمْ الْقَسْمُ عَلَى الْجِوَارِ إذَا كَانَ جِوَارٌ وَعَلَى النَّسَبِ وَالْجِوَارِ إذَا كَانَا مَعًا، وَلَوْ كَانَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ مَعْدِنٌ، قُسِّمَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ عَلَى مَنْ يَلْزَمُ قَرْيَةَ الْمَعْدِنِ، وَإِنْ كَانُوا غُرَبَاءَ دُونَ ذَوِي نَسَبِ أَهْلِ الْمَعْدِنِ إذَا كَانُوا مِنْهُ بَعِيدًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُمْ زَرْعٌ قُسِّمَ زَرْعُهُمْ عَلَى جِيرَانِ أَهْلِ الزَّرْعِ دُونَ ذَوِي النَّسَبِ إذَا كَانُوا بَعِيدًا مِنْ مَوْضِعِ الزَّرْعِ، وَزَكَاةُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ تُقَسَّمُ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ دُونَ أَهْلِ النَّسَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ النَّسَبِ بِالْقَرْيَةِ وَكَانُوا مِنْهَا بَعِيدًا، وَكَذَلِكَ نَخْلُهُمْ وَزَكَاةُ أَمْوَالِهِمْ، وَلاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى غَيْرِهَا وَفِيهَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلاَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ، وَفِيهِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْقَسْمِ أَقْرَبُهُمْ جِوَارًا مِمَّنْ أُخِذَ الْمَالُ مِنْهُ، وَإِنْ بَعُدَ نَسَبُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو قَرَابَةٍ، وَإِذَا وَلِيَ الرَّجُلُ إخْرَاجَ زَكَاةِ مَالِهِ فَكَانَ لَهُ أَهْلُ قَرَابَةٍ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَقْسِمُهُ بِهِ وَجِيرَانٌ قَسَمَهُ عَلَيْهِمْ مَعًا، فَإِنْ ضَاقَ فَآثَرَ قَرَابَتَهُ فَحَسَنٌ عِنْدِي إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا أَهْلُ الْفَيْءِ فَلاَ يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ الْفَيْءِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ فِي الْعَطَاءِ فَضُرِبَ عَلَيْهِ الْبَعْثُ فِي الْغَزْوِ وَهُوَ بَقَرِيَّةٍ فِيهَا صَدَقَاتٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا، فَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْعَطَاءِ بِأَنْ قَالَ لاَ أَغْزُو وَاحْتَاجَ، أُعْطِيَ فِي الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بِالْبَادِيَةِ وَالْقُرَى مِمَّنْ لاَ يَغْزُو عَدُوًّا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ، فَإِنْ هَاجَرَ وَأُفْرِضَ وَغَزَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَأَخَذَ مِنْهُ، وَلَوْ احْتَاجَ وَهُوَ فِي الْفَيْءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَيْءِ وَعَادَ إلَى الصَّدَقَاتِ فَذَلِكَ لَهُ. الِاخْتِلاَفُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لاَ مُؤَلَّفَةً فَيَجْعَلُ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ وَسَهْمَ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ فِي ثَغْرِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يَرَاهُ الْوَالِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ السَّبِيلِ مَنْ يُقَاسِمُ الصَّدَقَاتِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الصَّدَقَاتُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا قَسْمُ الصَّدَقَاتِ دَلاَلاَتٌ فَحَيْثُ كَانَتْ الْكَثْرَةُ أَوْ الْحَاجَةُ فَهِيَ أَسْعَدُ بِهِ، كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ السُّهْمَانَ لَوْ كَانَتْ أَلْفًا وَكَانَ غَارِمٌ غُرْمُهُ أَلْفٌ وَمَسَاكِينُ يُغْنِيهِمْ عَشَرَةُ آلاَفٍ، وَفُقَرَاءُ مِثْلُهُمْ يُغْنِيهِمْ مَا يُغْنِيهِمْ، وَابْنُ السَّبِيلِ مِثْلُهُمْ يُغْنِيهِمْ مَا يُغْنِيهِمْ، جُعِلَ لِلْغَارِمِ سَهْمٌ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَكَانَ أَكْثَرُ الْمَالِ فِي الَّذِينَ مَعَهُ، لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ عَدَدًا وَحَاجَةً، كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَالَ فَوْضَى بَيْنَهُمْ فَيَقْتَسِمُونَهُ عَلَى الْعَدَدِ وَالْحَاجَةِ لاَ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ بِبَلَدٍ وَكَانَ آخَرُونَ بِبَلَدٍ مُجْدِبِينَ فَكَانَ أَهْلُ السُّهْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِينَ أُخِذَتْ صَدَقَاتُهُمْ إنْ تُرِكُوا تَمَاسَكُوا وَلَمْ يَجْهَدُوا جَهْدَ الْمُجْدِبِينَ الَّذِينَ لاَ صَدَقَةَ بِبِلاَدِهِمْ، أَوْ لَهُمْ صَدَقَةٌ يَسِيرَةٌ لاَ تَقَعُ مِنْهُمْ مَوْقِعًا، نُقِلَتْ إلَى الْمُجْدِبِينَ إذَا كَانُوا يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتُ هُزْلاً إنْ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْهِمْ، كَأَنَّهُ يَذْهَبُ أَيْضًا إلَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَهُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِمَعْنَى صَلاَحِ عِبَادِ اللَّهِ فَيَنْظُرُ إلَيْهِمْ الْوَالِي فَيَنْقُلُ هَذِهِ إلَى هَذِهِ السُّهْمَانِ حَيْثُ كَانُوا عَلَى الِاجْتِهَادِ، قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا، وَأَحْسِبُهُ يَقُولُ: وَتُنْقَلُ سُهْمَانُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ إنْ جَهَدُوا وَضَاقَ الْفَيْءُ عَلَيْهِمْ. وَيُنْقَلُ الْفَيْءُ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ إنْ جَهَدُوا وَضَاقَتْ الصَّدَقَاتُ، عَلَى مَعْنَى إرَادَةِ صَلاَحِ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قُلْت بِخِلاَفِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْمَالَ قِسْمَيْنِ، أَحَدُهُمَا قِسْمُ الصَّدَقَاتِ الَّتِي هِيَ طَهُورٌ قَسَمَهَا لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ وَوَكَّدَهَا وَجَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ قَوْمٍ وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ لاَ فُقَرَاءِ غَيْرِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ فُقَرَاءُ، فَلَمْ يَجُزْ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا غَيْرُ مَا قُلْت مِنْ أَنْ لاَ تُنْقَلَ عَنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ وَفِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلاَ يَخْرُجُ سَهْمُ ذِي سَهْمٍ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَصْنَافًا فَيَكُونُوا مَوْجُودِينَ مَعًا فَيُعْطَى أَحَدُهُمْ سَهْمَهُ وَسَهْمَ غَيْرِهِ لَوْ جَازَ هَذَا عِنْدِي جَازَ أَنْ تُجْعَلَ فِي سَهْمٍ وَاحِدٍ فَيَمْنَعُ سَبْعَةً فَرْضًا فُرِضَ لَهُمْ وَيُعْطِي وَاحِدًا مَا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ، وَاَلَّذِي يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ لاَ يُخَالِفُنَا فِي أَنَّ رَجُلاً وَلَوْ قَالَ: أَوْصَى لِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ كَانَتْ الْأَرْضُ أَثْلاَثًا بَيْنَ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، وَفُلاَنٍ وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ، وَلاَ مُخَالِفَ عَلِمْته فِي أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُقَرَاءِ بَنِي فُلاَنٍ وَغَارِمِ بَنِي فُلاَنٍ رَجُلٍ آخَرَ وَبَنِي سَبِيلٍ بَنِي فُلاَنٍ رَجُلٍ آخَرَ أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ يُعْطَوْنَ مِنْ ثُلُثِهِ وَأَنْ لَيْسَ أَوْصَى وَلاَ لِوَالٍ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدَ هَؤُلاَءِ الثُّلُثَ دُونَ صَاحِبِهِ. وَكَذَلِكَ لاَ يَكُونُ جَمِيعُ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْغَارِمِينَ وَلاَ لِلْغَارِمِينَ دُونَ بَنِي السَّبِيلِ وَلاَ صِنْفٍ مِمَّنْ سَمَّى دُونَ صِنْفٍ مِنْهُمْ أَفْقَرَ وَأَحْوَجَ مِنْ صِنْفٍ ثُمَّ يُعْطِيهِمُوهُ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَمَّى الْمُوصِي، لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْ الْمُتَصَدِّقَ قَدْ سَمَّى أَصْنَافًا فَلاَ يَصْرِفُ مَالَ صِنْفٍ إلَى غَيْرِهِ، وَلاَ يَتْرُكُ مَنْ سَمَّى لَهُ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَعَهُ، لِأَنَّ كُلًّا ذُو حَقٍّ لِمَا سَمَّى لَهُ، فَلاَ يَصْرِفُ حَقَّ وَاحِدٍ إلَى غَيْرِهِ وَلاَ يَصْرِفُ حَقَّهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ فَمَا أَعْطَى الْآدَمِيُّونَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَّا عَلَى مَا أَعْطَوْا، فَعَطَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ أَنْ يَجُوزَ وَأَنْ يَمْضِيَ عَلَى مَا أَعْطَى، وَلَوْ جَازَ فِي أَحَدِ الْعَطَاءَيْنِ أَنْ يُصْرَفَ عَمَّنْ أُعْطِيَهُ إلَى مَنْ لَمْ يُعْطَهُ أَوْ يُصْرَفَ حَقُّ صِنْفٍ أُعْطِيَ إلَى صِنْفٍ أُعْطِيَهُ مِنْهُمْ كَانَ فِي عَطَاءِ الْآدَمِيِّينَ أَجْوَزَ وَلَكِنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْفَيْءَ فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآيَةَ. وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ لِلْفَارِسِ مِنْ ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، فَلَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَّلَ الْفَارِسَ ذَا الْغَنَاءِ الْعَظِيمِ عَلَى الْفَارِسِ الَّذِي لَيْسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا سَوَّوْا بَيْنَ الْفَارِسَيْنِ؛ حَتَّى قَالُوا: لَوْ كَانَ فَارِسٌ أَعْظَمَ النَّاسِ غَنَاءً وَآخَرُ جَبَانٌ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الرَّجَّالَةِ، أَفَرَأَيْت لَوْ عَارَضَنَا وَإِيَّاهُمْ مُعَارِضٌ فَقَالَ: إذَا جَعَلْت أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ حَضَرَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحُضُورِ لِلْغَنَاءِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنِّكَايَةِ فِي الْمُشْرِكِينَ فَلاَ أُخْرِجُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ لِمَنْ حَضَرَ وَلَكِنَّنِي أُحْصِي أَهْلَ الْغَنَاءِ مِمَّنْ حَضَرَ، فَأُعْطِي الرَّجُلَ سَهْمَ مِائَةِ رَجُلٍ أَوْ أَقَلَّ إذَا كَانَ يَغْنَى مِثْلَ غَنَائِهِمْ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَتْرُكُ الْجَبَانَ وَغَيْرَ ذِي النِّيَّةِ الَّذِي لَمْ يُغْنَ فَلاَ أُعْطِيهِ أَوْ أُعْطِيهِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ سَهْمِ رَجُلٍ ذِي غَنَاءٍ أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلاً أَوْ أَقَلَّ قَلِيلاً بِقَدْرِ غَنَائِهِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، فَكَانَ مَخْرَجُ الْخَبَرِ مِنْهُ عَامًّا، وَلَمْ نَعْلَمْهُ خَصَّ أَهْلَ الْغَنَاءِ، بَلْ أَعْطَى مَنْ حَضَرَ عَلَى الْحُضُورِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلاَمِ فَقَطْ، دُونَ الْغَنَاءِ. وَمَنْ خَالَفَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ لاَ يُخَالِفُنَا فِي قَسْمِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ. فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَنَا فِي الصَّدَقَاتِ وَقَدْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ أَبَيْنَ الْقَسْمِ فَيُعْطِي بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ؟ وَإِذَا كَانَ لاَ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَلاَ عِنْدَهُ فِي الْمُوجِفِينَ لَوْ أَوَجَفُوا وَهُمْ أَهْلٌ لاَ غَنَاءَ لَهُمْ عَلَى أَهْلِ ضَعْفٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لاَ غَنَاءَ عِنْدَهُمْ وَكَانَ بِإِزَائِهِمْ أَهْلُ غَنَاءٍ يُقَاتِلُونَ عَدُوًّا أَهْلَ شَوْكَةٍ شَدِيدَةٍ أَنْ يُعْطُوا مِمَّا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الضُّعَفَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلاَ يُعْطَاهُ الْمُسْلِمُونَ ذَوُو الْغَنَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ ذَوِي الْعَدَدِ وَالشَّوْكَةِ نَظَرًا لِلْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ حَتَّى يُعْطَى بِالنَّظَرِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الضُّعَفَاءُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الضُّعَفَاءِ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْأَقْوِيَاءِ الْمُقَاتِلِينَ لِلشِّرْكِ الْأَقْوِيَاءِ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةً عَظِيمَةً فِي قِتَالِهِمْ وَهُمْ أَعْظَمُ غَنَاءً عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنِّي أُعْطِي كُلَّ مُوجِفٍ حَقَّهُ، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُنْقَلَ صَدَقَاتُ قَوْمٍ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا إلَى غَيْرِهِمْ إنْ كَانُوا أَحْوَجَ مِنْهُمْ أَوْ يُشْرِكَهُمْ مَعَهُمْ، أَوْ يَنْقُلَهَا مِنْ صِنْفٍ مِنْهُمْ إلَى صِنْفٍ، وَالصِّنْفُ الَّذِينَ نَقَلَهَا عَنْهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى حَقِّهِمْ؟ أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ لِقَوْمٍ أَهْلِ يُسْرٍ كَثِيرٍ أَوَجَفُوا عَلَى عَدُوٍّ: أَنْتُمْ أَغْنِيَاءُ فَآخُذُ مَا أَوَجَفْتُمْ عَلَيْهِ فَأُقَسِّمُهُ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الْمُحْتَاجِينَ إذَا كَانَ عَامُ سَنَةٍ لِأَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ مُسْلِمُونَ مِنْ عِيَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَخَافُ إنْ حَبَسْت هَذَا عَنْهُمْ وَلَيْسَ يَحْضُرُنِي مَالٌ غَيْرُهُ أَنْ يَضُرَّ بِهِمْ ضَرَرًا شَدِيدًا، وَأَخْذُهُ مِنْكُمْ لاَ يَضُرُّ بِكُمْ هَلْ تَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: مَنْ قَسَمَ لَهُ أَحَقُّ بِمَا قَسَمَ مِمَّنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ أَحْوَجَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ: إنَّهَا بِقِسْمَةٍ مَقْسُومَةٍ لَهُمْ بَيِّنَةُ الْقَسْمِ، أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي أَهْلِ الْمَوَارِيثِ الَّذِينَ قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَوْ الَّذِينَ جَاءَ أَثَرٌ بِالْقَسْمِ لَهُمْ أَوْ فِيهِمَا مَعًا، إنَّمَا وَرِثُوا بِالْقَرَابَةِ وَالْمُصِيبَةِ بِالْمَيِّتِ. فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ أَحَدٌ خَيْرًا لِلْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ وَلِتَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَفْقَرَ إلَى مَا تَرَكَ أُوثِرَ بِمِيرَاثِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا ذُو حَقٍّ فِي حَالٍ هَلْ تَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لاَ نَعْدُو مَا قَسَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهَكَذَا الْحُجَّةُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَلَيْسَتْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ هَذَا شُبْهَةٌ يَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهَا ذَاهِبٌ؛ لِأَنَّهَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إبْطَالُ حَقِّ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَقًّا وَإِبَاحَةُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ الْوَالِي فَيَنْقُلُهَا إلَى ذِي قَرَابَةٍ لَهُ وَاحِدٍ أَوْ صِدِّيقٍ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الصَّدَقَاتُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي نَقْلِ الصَّدَقَاتِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ بَعْضَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ قَالَ: إنْ جُعِلَتْ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ وَاَلَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لاَ يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً تُلْزِمُ وَهُوَ لَوْ قَالَ هَذَا لَمْ يَكُنْ قَالَ إنْ جُعِلَتْ فِي صِنْفٍ وَأَصْنَافٍ مَوْجُودَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَصْنَافِ إلَّا صِنْفٌ أَجْزَأَ أَنْ تُوضَعَ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ طَاوُسًا رَوَى أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعُرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهَا مِنْكُمْ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: صَالَحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ ذِمَّةِ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الرَّجُلِ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ كَانَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ الدِّينَارُ فَلَعَلَّ مُعَاذًا لَوْ أَعَسَرُوا بِالدِّينَارِ أَخَذَ مِنْهُمْ الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا عِنْدَهُمْ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الدِّينَارَ لِغَرَضٍ فَلَعَلَّهُ جَازَ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ طَعَامًا وَغَيْرَهُ مِنْ الْعَرَضِ بِقِيمَةِ الدَّنَانِيرِ فَأَسْرَعُوا إلَى أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ الطَّعَامِ لِكَثْرَتِهِ عِنْدَهُمْ يَقُولُ الثِّيَابُ خَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَهْوَنُ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ لاَ مُؤْنَةً كَثِيرَةً فِي الْمَحْمَلِ لِلثِّيَابِ إلَى الْمَدِينَةِ وَالثِّيَابُ بِهَا أَغْلَى ثَمَنًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا تَأْوِيلٌ لاَ يُقْبَلُ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ فَإِنَّمَا قُلْنَاهُ بِالدَّلاَئِلِ عَنْ مُعَاذٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ هَذَا، أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاذًا قَضَى: أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ إلَى غَيْرِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبَيَّنَ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ أَنَّ هَذَا فِي الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً وَذَلِكَ أَنَّ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَةَ لاَ تَكُونُ إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا رَأَى مُعَاذٌ فِي الرَّجُلِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الصَّدَقَةَ يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ عَنْ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ أَنْ تَكُونَ صَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ إلَى مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ وَذَلِكَ يَنْتَقِلُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ النَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ فَيَجْعَلُ مُعَاذٌ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ لِأَهْلِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ لاَ لِمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِقَرَابَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِخْلاَفِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ أَنَّ مِخْلاَفَ عَشِيرَتِهِ لِعَشِيرَتِهِ، وَإِنَّمَا خَلَطَهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتْ الْعَشِيرَةُ أَكْثَرَ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا ثَبَتَتْ لِأَهْلِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ لَمْ تُحَوَّلْ عَنْهُمْ صَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ بِتَحَوُّلِهِ وَكَانَتْ لَهُمْ كَمَا تَثْبُتُ بَدْءًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ الَّتِي هِيَ بَيْنَ ظَهَرَانِي مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ لاَ تَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ دُونَ النَّاضِّ الَّذِي يَتَحَوَّلُ، وَمُعَاذٌ إذْ حَكَمَ بِهَذَا كَانَ مِنْ أَنْ يَنْقُلَ صَدَقَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ إلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ الْفَيْءِ أَبْعَدَ، وَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ هَذَا عَنْ مُعَاذٍ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا: لاَ تُنْقَلُ الصَّدَقَةُ مِنْ جِيرَانِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الصَّدَقَةُ إلَى غَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَطَاوُسٌ لَوْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاذٍ شَيْءٌ لَمْ يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَاوُسٌ يَحْلِفُ مَا يَحِلُّ بَيْعُ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ وَلاَ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ وَلَوْ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ احْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ مُعَاذًا بَاعَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالثِّيَابِ كَانَ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا إنَّمَا قَالَ: ائْتُونِي بِعُرْضٍ مِنْ الثِّيَابِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ بِصَدَقَاتٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَهُمَا، وَإِنْ جَاءَا بِمَا فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ مَا فَقَدْ نَقَلاَهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ أَقْرَبُ النَّاسِ نَسَبًا وَدَارًا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى سَعَةٍ مِنْ مُضَرَ وطيئ مِنْ الْيَمَنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ حَوْلَهُمْ ارْتَدَّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ وَيَكُونُ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ حَقٍّ هُمْ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ يَأْمُرُ بِرَدِّهَا إلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ خَبَرٌ نَصِيرُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ مِنْ نِعَمِ الصَّدَقَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِالْمَدِينَةِ صَدَقَاتُ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَالنَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ وَلِلْمَدِينَةِ سَاكِنٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَائِهِمَا وَأَشْجَعَ وَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ بِهَا وَبِأَطْرَافِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَعِيَالُ سَاكِنِ الْمَدِينَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَعِيَالُ عَشَائِرِهِمْ وَجِيرَانِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ عِيَالُ سَاكِنِ أَطْرَافِهَا بِهَا وَعِيَالُ جِيرَانِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ فَيُؤْتَوْنَ بِهَا وَيَكُونُونَ مَجْمَعًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ كَمَا تَكُونُ الْمِيَاهُ وَالْقُرَى مَجْمَعًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَعَلَّهُمْ اسْتَغْنَوْا فَنَقَلَهَا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ دَارًا وَنَسَبًا وَكَانَ أَقْرَبُ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ دَارًا وَنَسَبًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يَحْمِلُ عَلَى إبِلٍ كَثِيرَةٍ إلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَتْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَكْثَرُ فَرَائِضِ الْإِبِلِ لاَ تَحْمِلُ أَحَدًا. أَخْبَرْنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ، أَخْبَرْنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ الدَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ: أَرَأَيْت الْإِبِلَ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا عُمَرُ الْغُزَاةَ وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهَا إبِلُ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانَ يَبْعَثُ بِهَا مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قُلْت: وَمِمَّنْ كَانَتْ تُؤْخَذُ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ جِزْيَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى وَجْهِهَا فَبِيعَتْ فَيُبْتَاعُ بِهَا إبِلٌ جِلَّةٌ فَيَبْعَثُ بِهَا إلَى عُمَرَ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَخْبَرْنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ بِعَطَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَتَبَ إلَى وَالِي الْيَمَامَةِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ الْيَمَامَةِ إلَى الْمَدِينَةِ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ يُتِمُّ بِهَا عَطَاءَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَالُ إلَى الْمَدِينَةِ أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوهُ وَقَالُوا: أَيُطْعِمُنَا أَوْسَاخَ النَّاسِ وَمَا لاَ يَصْلُحُ لَنَا أَنْ نَأْخُذَهُ لاَ نَأْخُذُهُ أَبَدًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ فَرَدَّهُ وَقَالَ: لاَ تَزَالُ فِي الْقَوْمِ بَقِيَّةٌ مَا فَعَلُوا هَكَذَا، قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ؟ وَمَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَتَكَلَّمُ: قَالَ أَوَّلُهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي رِجَالٍ كَثِيرَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُهُمْ لاَ يَصْلُحُ لَنَا أَيْ لاَ يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الصَّدَقَةَ وَنَحْنُ أَهْلُ الْفَيْءِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي الصَّدَقَةِ حَقٌّ وَمِنْ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ غَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أُخِذَتْ الْمَاشِيَةُ فِي الصَّدَقَةِ وَوُسِمَتْ وَأُدْخِلَتْ الْحَظِيرَ، وَوُسِمَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فِي أَفْخَاذِهَا وَالْغَنَمُ فِي أُصُولِ آذَانِهَا وَمِيسَمُ الصَّدَقَةِ مَكْتُوبٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتُوسَمُ الْإِبِلُ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الْجِزْيَةِ مِيسَمًا مُخَالِفًا لِمِيسَمِ الصَّدَقَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مِيسَمَ الصَّدَقَةِ مُخَالِفٌ لِمِيسَمِ الْجِزْيَةِ؟ قِيلَ: فَإِنَّ الصَّدَقَةَ أَدَّاهَا مَالِكُهَا لِلَّهِ وَكُتِبَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ مَالِكَهَا أَخْرَجَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِبِلُ الْجِزْيَةِ أُدِّيَتْ صِغَارًا لاَ أَجْرَ لِصَاحِبِهَا فِيهَا. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: إنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةٌ عَمْيَاءُ قَالَ: أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ عَلَيْهَا مِيسَمَ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَرْقٍ بَيْنَ الْمِيسَمَيْنِ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِثْلَ قَوْلِنَا أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَقَالُوا: سَبِيلُ الرِّكَازِ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَرَوَوْا مِثْلَ مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي الرِّكَازِ الْخَمْسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمَعَادِنُ مِنْ الرِّكَازِ وَفِي كُلِّ مَا أُصِيبَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لاَ تَجِبُ فَهُوَ رِكَازٌ وَلَوْ أَصَابَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ كَانَ رِكَازًا فِيهِ الْخُمْسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ عَادَ لِمَا شَدَّدَ فِيهِ كُلَّهُ فَأَبْطَلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَجَدَ رِكَازًا فَوَاسِعٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْتُمَهُ الْوَالِي وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيَدَعُهُ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمْسَ وَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ قَسْمٌ عَلَى قَسْمِ الصَّدَقَاتِ فَقَدْ أَبْطَلَ الْحَقَّ بِالسُّنَّةِ فِي أَخْذِهِ وَحَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَسْمِهِ. وَالْخُمْسُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ فِي مَالِهِ لِمَسَاكِينَ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فَكَيْفَ جَازَ لِلْوَالِي أَنْ يَتْرُكَ حَقًّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ الْحَقُّ لِمَنْ قَسَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا فِي عُشْرِ الطَّعَامِ أَوْ زَكَاةِ الذَّهَبِ أَوْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ أَلَيْسَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الَّذِي عَلَيْك فِي مَالِك إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَجَبَ لِغَيْرِك فَلاَ يَحِلُّ لِلسُّلْطَانِ تَرْكُهُ لَك وَلاَ لَك حَبْسُهُ إنْ تَرَكَهُ لَك السُّلْطَانُ عَمَّنْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْت أَعْلَمُ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الرِّكَازِ وَلَوْ جَازَ هَذَا فِي الرِّكَازِ جَازَ فِي جَمِيعِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَدَعَهُ لَهُ فَيَبْطُلُ حَقٌّ مِنْ قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ فَقَالَ: إنَّا رَوَيْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ أَوْ خَمْسَةَ آلاَفٍ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: لاََقْضِيَنَّ فِيهَا قَضَاءً بَيِّنًا، أَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَلَكَ وَخُمْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ: وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْك. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا إذْ زَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ وَخُمْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَدَعُهُ لَهُ وَالْوَاجِبُ عَلَى الْوَالِي أَنْ لَوْ مَنَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا لَهُمْ فِي مَالِهِ أَنْ يُجَاهِدَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُسْتَنْكَرٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لَك وَاقْسِمْ الْخُمْسَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِك وَهَذَا الْحَدِيثُ أَشْبَهَ بِعَلِيٍّ لَعَلَّ عَلِيًّا عَلِمَهُ أَمِينًا وَعَلِمَ فِي أَهْلِهِ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ فِيهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُمْ مُخَالِفُونَ مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ وَلاَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ السُّهْمَانِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ مَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ مِنْ الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا وَاَلَّذِي زَعَمُوا أَنَّ عَلِيًّا تَرَكَ لَهُ خُمْسَ رِكَازِهِ، وَهَذَا رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْوَالِيَ إذَا أَخَذَ مِنْهُ وَاجِبًا فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي أَنْ يَعُودَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَوْ وَلِيَهَا هُوَ دُونَ الْوَالِي لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا وَلاَ دَفْعُهَا إلَى أَحَدٍ يَعُولُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه إعَادَتُهَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، أَوْ تَرْكُهَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ، وَهَذَا إبْطَالُهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَخِلاَفُ مَا يَقُولُونَ وَإِذَا صَارَ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَتَرْكُهَا لاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَأَخْذُهَا سَوَاءٌ، وَقَدْ أَبْطَلَ بِهَذَا الْقَوْلِ السُّنَّةَ فِي أَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمْسَ وَأَبْطَلَ بِهِ حَقَّ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ. فَإِنْ قَالَ لاَ يَصْلُحُ هَذَا إلَّا فِي الرِّكَازِ قِيلَ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا صَلُحَ فِي الرِّكَازِ وَهُوَ مِنْ الصَّدَقَاتِ صَلُحَ فِي كُلِّهَا وَلَوْ جَازَ لَك أَنْ تَخُصَّ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ قُلْت يَصْلُحُ فِي الْعُشُورِ وَصَدَقَاتِ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ غَيْرِي وَغَيْرُك يَصْلُحُ فِي صَدَقَةِ الرِّقَّةِ وَلاَ يَصْلُحُ فِي هَذَا، فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّمَا هُوَ خُمْسٌ وَكَذَلِكَ الْحَقُّ فِيهِ كَمَا الْحَقُّ فِي الزَّرْعِ الْعُشْرُ، وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَفِي الْمَاشِيَةِ مُخْتَلِفَةٌ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ كُلَّ هَذَا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ مَا جُعِلَ فِيهِ وَيُقْسَمُ كُلٌّ حَيْثُ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: لاَ يَأْخُذُ مِنْهَا أَحَدٌ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلاَ يُعْطَى مِنْهَا أَحَدٌ مِائَتِي دِرْهَمٍ وَلاَ شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ لاَ يَكُونُ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلاَ شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا بِضَعْفِ حِرْفَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عِيَالٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهَا فَيَكُونُ مُحْتَاجًا بِضَعْفِ الْحِرْفَةِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْعِيَالِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إنَّمَا هِيَ مَا عَرَفَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الطَّالِبِ لِلزَّكَاةِ وَمَالِهِ لاَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ فَقَطْ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ لَهُ مِائَةٌ مِنْ الْعِيَالِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ لاَ يُعْطَى، وَهَذَا الْمُحْتَاجُ الْبَيِّنُ الْحَاجَةِ، وَآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلاَ عِيَالَ لَهُ وَلَيْسَ بِالْغِنَى أُعْطِيَ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الَّذِي أُمِرَ بِإِعْطَائِهِ أَقْرَبُ مِنْ الْغِنَى وَاَلَّذِي نُهِيَ عَنْ إعْطَائِهِ أَبْعَدُ مِنْ الْغِنَى وَلِمَ إذَا كَانَ الْغَارِمُ يُعْطَى مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْغُرْمِ لاَ يُعْطَى الْفَقِيرُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْفَقْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا فَلِمَ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى إلَّا مِائَتَا دِرْهَمٍ لاَ يُعْطَاهَا وَهُوَ يَوْمَ يُعْطَاهَا لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا إنَّمَا الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِيهَا إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَبِهَذَا نَقُولُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْعَامَّةُ هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَرَآهُ رَجُلٌ عَدْلٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ وَالِاحْتِيَاطِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَجُلاً شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ فَصَامَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدُ لاَ يَجُوزُ عَلَى هِلاَلِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لاَ أَقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا شَاهِدَيْنِ، وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى كُلِّ مَعِيبٍ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمَاعَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَقْبَلُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ الْفِطْرِ إلَّا شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَأَكْثَرَ، فَإِنْ صَامَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ إلَّا أَنْ يَرَوْا الْهِلاَلَ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَتِهِ فَيُفْطِرُوا، وَإِنْ غُمَّ الشَّهْرَانِ مَعًا فَصَامُوا ثَلاَثِينَ فَجَاءَتْهُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ شَعْبَانَ رُئِيَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ قَضَوْا يَوْمًا لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَإِنْ غُمَّا فَجَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُمْ صَامُوا يَوْمَ الْفِطْرِ أَفْطَرُوا أَيْ سَاعَةَ جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلُّوا صَلاَةَ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلُّوا صَلاَةَ الْعِيدِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَهُ فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ قَوْلَنَا وَقَالَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ بِهِمْ الْإِمَامُ مِنْ الْغَدِ وَلاَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْقَوْلِ: إذَا كَانَتْ صَلاَةُ الْعِيدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك سُنَّةً لاَ تُقْضَى إنْ تُرِكَتْ وَغَمَّك وَقْتٌ فَكَيْفَ أَمَرْت بِهَا أَنْ تُعْمَلَ فِي غَيْرِهِ وَأَنْتَ إذَا مَضَى الْوَقْتُ تَعْمَلُ فِي وَقْتٍ لَمْ تُؤْمَرْ بِأَنْ تَعْمَلَ، مِثْلُ الْمُزْدَلِفَةِ إذَا مَرَّتْ لَيْلَتُهَا لَمْ تُؤْمَرْ بِالْمَبِيتِ فِيهَا وَالْجِمَارُ إذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا لَمْ تُؤْمَرْ بِرَمْيِهَا وَأُمِرْت بِالْفِدْيَةِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَمِثْلُ الرَّمَلِ إذَا مَضَتْ الْأَطْوَافُ الثَّلاَثَةِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تَأْمُرَ بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَضَى وَقْتُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ بَدَلٌ بِكَفَّارَةٍ وَإِذَا أَمَرْت بِالْعِيدِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فَكَيْفَ لَمْ تَأْمُرْ بِهِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِهِ وَالصَّلاَةُ تَحِلُّ فِي يَوْمِهِ؟ وَأَمَرْت بِهَا مِنْ الْغَدِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ أَقْرَبُ مِنْ وَقْتِ الْفِطْرِ مِنْ غَدِهِ؟ قال: فَإِنَّهَا مِنْ غَدٍ تُصَلَّى فِي مِثْلِ وَقْتِهِ، قِيلَ لَهُ: أَوْ لَيْسَ تَقُولُ فِي كُلِّ مَا فَاتَ مِمَّا يُقْضَى مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ يُقْضَى إذَا ذُكِرَ فَكَيْفَ خَالَفْت بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ ذَلِكَ؟، فَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُك الْوَقْتَ فَمَا تَقُولُ فِيهِ إنْ تَرَكْته مِنْ غَدِهِ أَتُصَلِّيهِ بَعْدَ غَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ قَالَ: لاَ. قِيلَ: فَقَدْ تَرَكْت عِلَّتَك فِي أَنْ تُصَلِّيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَا حُجَّتُك فِيهِ؟ قَالَ رَوَيْنَا فِيهِ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: قَدْ سَمِعْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ تُضَعِّفُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ: وَإِذَا زَعَمْت أَنَّهُ ثَابِتٌ فَكَيْفَ يَقْضِي فِي غَدِهِ وَلَمْ تَنْهَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ يَقْضِي بَعْدَ أَيَّامٍ، وَإِنْ طَالَتْ الْأَيَّامُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَأَنْ يَفْعَلَ الْمَرْءُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ ثَابِتًا، فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِالتَّطَوُّعِ فَهَذَا خَيْرٌ أَرَادَهُ اللَّهُ بِهِ أَرْجُو أَنْ يَأْجُرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ فِي عَمَلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدُ لاَ يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا لَمْ يُرَ الْهِلاَلُ وَلَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُئِيَ لَيْلاً لَمْ يُفْطِرْ النَّاسُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ فِي النَّهَارِ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هِلاَلُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَسْتَقْبِلُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ: إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَوْلُنَا وَإِذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَفْطَرُوا وَقَالُوا: إنَّمَا اتَّبَعْنَا فِيهِ أَثَرًا رَوَيْنَاهُ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، فَقُلْنَا: الْأَثَرُ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ الْقِيَاسِ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا رَأَى الرَّجُلُ هِلاَلَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ يَصُومُ لاَ يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَيُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ شَكٌّ أَوْ يَخَافَ أَنْ يُتَّهَمَ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالصَّوْمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لاَ يُجْزِي صَوْمُ رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ كَمَا لاَ تُجْزِي الصَّلاَةُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَاحْتُجَّ فِيهِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لاَ يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَعَلَى مَا أَوْجَبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ صَوْمٍ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، فَخَالَفَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا عَلَى النَّافِلَةِ فَلاَ يَجُوزُ فِي النَّافِلَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَيَجُوزُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَخَالَفَ فِي هَذَا الْآثَارَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقِيلَ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: لِمَ زَعَمْت أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يُجْزِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلاَ يُجْزِي صَوْمُ النَّذْرِ وَلاَ صَوْمُ الْكَفَّارَاتِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك لاَ تُجْزِي الصَّلاَةُ الْمَكْتُوبَةُ وَلاَ نَذْرُ الصَّلاَةِ وَلاَ التَّيَمُّمُ إلَّا بِنِيَّةٍ؟ قال: لِأَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ بِغَيْرِ وَقْتٍ مَتَى عَمِلَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ وَالصَّلاَةُ وَالنِّيَّةُ لِلتَّيَمُّمِ بِوَقْتٍ، قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَأَمْهَلَ حَتَّى إذَا كَانَ آخَرُ شَهْرٍ مِنْهَا فَصَامَهُ لاَ يَنْوِي بِهِ النَّذْرَ؟ قَالَ لاَ يُجَزِّئُهُ قِيلَ: قَدْ وَقَّتَ السَّنَةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا هَذَا الشَّهْرُ فَصَارَ إنْ لَمْ يَصُمْهُ يَخْرُجْ مِنْ الْوَقْتِ وَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ إنْ تَرَكَ الظُّهْرَ حَتَّى لاَ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا مَا يُكْمِلُهَا فِيهِ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا كَفَرْضِ الصَّلاَةِ لاَ يَنْوِي الظُّهْرَ؟ قَالَ لاَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الظُّهْرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَعْلَمُ بَيْنَ رَمَضَانَ وَبَيْنَ هَذَا فَرْقًا وَقَدْ اعْتَلَّ بِالْوَقْتِ فَأَوْجَدْنَا الْوَقْتَ فِي الْمَكْتُوبَةِ مَحْدُودًا وَمَحْصُورًا يَفُوتُ إنْ تَرَكَ الْعَمَلَ فِيهِ فَأَوْجَدْنَاهُ ذَلِكَ فِي النَّذْرِ ثُمَّ أَوْجَدْنَاهُ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَحْصُورَيْنِ كِلاَهُمَا عَمَلاً كَعَمَلِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَمَلِ النَّذْرِ، وَلَيْسَ فِي الْوَقْتَيْنِ فَضْلٌ لِلْمَكْتُوبَةِ وَالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمَكْتُوبَةِ وَالنَّذْرِ مَوْضِعٌ إلَّا هَذَا الْوَقْتُ الَّذِي عَمِلَهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَهُمَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَزَعَمَ أَنَّهُمَا لاَ يُجْزِيَانِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِمَا الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّذْرَ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّ الْوَقْتَ مَحْصُورٌ، انْبَغَى أَنْ يَزْعُمَ هَا هُنَا أَنَّ الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّذْرَ يُجْزِيَانِ إذَا كَانَ وَقْتُهُمَا مَحْصُورًا كَمَا يُجْزِي رَمَضَانُ إذَا كَانَ وَقْتُهُ مَحْصُورًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَمَنْ قَالَ: لاَ يُجْزِي رَمَضَانُ إلَّا بِنِيَّةٍ فَلَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ وَهُوَ أَسِيرٌ فَصَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ لَمْ يُجْزِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ مِنْهُ وَمَنْ قَالَ يُجْزِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ قَدْ أَخْطَأَ قَوْلَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَزَعَمَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَصْبَحَ يَرَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنْوِ الْإِفْطَارَ فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فَأَمْسَكَ عَنْ الطَّعَامِ أَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَأَمْسَكَ وَنَوَى الصِّيَامَ لَمْ يُجْزِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِيَوْمٍ مَكَانَهُ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت بِالرَّأْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالرَّأْيِ فِيمَا عَلِمْت، وَلَكِنْ مَعَهُمْ قِيَاسٌ، فَصَحَّ فِيهِ لِمَنْ خَالَفَهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا- فِيمَا أَرَى- أَحْسَنُ وَأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إذَا كَانَ قِيَاسًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: الْوَقْتُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ حِينَ يَتَبَيَّنُ الْفَجْرَ الْآخِرَ مُعْتَرِضًا فِي الْأُفُقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَكَلَ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَوْ شَرِبَ عَامِدًا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ الْخَطْبُ يَسِيرٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاسْتُحِبَّ التَّأَنِّي بِالسُّحُورِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتٍ مُقَارِبٍ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ الْفَجْرُ طَلَعَ فَإِنِّي أُحِبُّ قَطْعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ شَيْءٌ قَدْ أَدْخَلَهُ وَمَضَغَهُ لَفَظَهُ؛ لِأَنَّ إدْخَالَهُ فَاهُ لاَ يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَفْطُرُ بِإِدْخَالِهِ جَوْفَهُ، فَإِنْ ازْدَرَدَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ، وَاَلَّذِي لاَ يَقْضِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ فِي بَعْضِ فِيهِ مِمَّا يُدْخِلُهُ الرِّيقُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي خَفِيفٌ فَلاَ يَقْضِي، فَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا إدْخَالَهُ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى لَفْظِهِ فَيُفْطِرُهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ بَعْدُ: نُفَطِّرُهُ بِمَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ، إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى طَرْحِهِ. قَالَ الرَّبِيعُ: إلَّا أَنْ يَغْلِبَهُ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ فَيَكُونُ مُكْرَهًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ وَتَرْكِ تَأْخِيرِهِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ تَأْخِيرَهُ إذَا عَمَدَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ يَرَى الْفَضْلَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَلَمْ يُؤَخِّرُوهُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ اللَّيْلَ اسْوَدَّ ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلاَةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّهُمَا يَرَيَانِ تَأْخِيرَ ذَلِكَ وَاسِعًا لاَ أَنَّهُمَا يَعْمِدَانِ الْفَضْلَ لِتَرْكِهِ بَعْدَ أَنْ أُبِيحَ لَهُمَا وَصَارَا مُفْطِرَيْنِ بِغَيْرِ أَكْلٍ وَلاَ شُرْبٍ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لاَ يَصْلُحُ فِي اللَّيْلِ وَلاَ يَكُونُ بِهِ صَاحِبُهُ صَائِمًا، وَإِنْ نَوَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لاَ بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ الصَّائِمُ وَلاَ يُفْطِرُهُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا فُتْيَا كَثِيرٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ احْتَجَمَ صَائِمًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ثَابِتًا وَلَوْ ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت بِهِ فَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ الْحِجَامَةَ صَائِمًا لِلتَّوَقِّي كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَوْ احْتَجَمَ لَمْ أَرَهُ يُفْطِرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ تَقَيَّأَ وَهُوَ صَائِمٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا: فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ رَفَعَهُ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ لَيْسَ بِحَافِظٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقْضِي وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِمِثْلِ قَوْلِنَا لاَ يَقْضِي وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ سَاهِيًا وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي الصَّوْمِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلاَةِ بَلْ الْكَلاَمُ فِي الصَّلاَةِ نَاسِيًا أَثْبَتُ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي الصَّوْمِ؟ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَرَ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ قَضَاءً فَرَأْيُ أَبِي هُرَيْرَةَ حُجَّةٌ فَرَّقَ بِهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ ثُمَّ تَرَكَ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي الصَّلاَةِ فَهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ وَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبُ مِمَّا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ فَتَرَكَ الْأَوْجَبَ وَالْأَثْبَتَ وَأَخَذَ بِاَلَّذِي هُوَ أَضْعَفُ عِنْدَهُ وَعَابَ غَيْرَهُ إذْ زَعَمَ أَنَّ الْعَمْدَ فِي الصَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ سَوَاءٌ ثُمَّ قَالَ بِمَا عَابَ فِي الصَّلاَةِ فَزَعَمَ أَنَّ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ سَوَاءٌ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ احْتَلَمَ فِي رَمَضَانَ اغْتَسَلَ وَلَمْ يَقْضِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَمَّ صَوْمَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَاعَتِهِ أَتَمَّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْجِمَاعِ إلَّا بِهَذَا، وَإِنْ ثَبَّتَ شَيْئًا آخَرَ أَوْ حَرَّكَهُ لِغَيْرِ إخْرَاجٍ وَقَدْ بَانَ لَهُ الْفَجْرُ كَفَّرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَسْمَعُ: إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ ثُمَّ أَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ». فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّك لَسْت مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ جَاءَ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ عِنْدَنَا وَفِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّهُ جُنُبٌ مِنْ جِمَاعٍ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ الْجِمَاعَ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ وَالْجَنَابَةُ بَاقِيَةٌ بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ وَالْغُسْلُ لَيْسَ مِنْ الصَّوْمِ بِسَبِيلٍ، وَإِنْ وَجَبَ بِالْجِمَاعِ فَهُوَ غَيْرُ الْجِمَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَى مَنْ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} وَالْقُرْءُ عِنْدَهُ الْحَيْضَةُ فَمَا بَالُ الْغُسْلِ؟ وَإِنْ وَجَبَ بِالْحَيْضِ فَهُوَ غَيْرُ الْحَيْضِ فَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ إذَا وَجَبَ بِهِ حُكْمَ الْحَيْضِ كَانَ حُكْمُ الْغُسْلِ إذَا وَجَبَ بِالْجِمَاعِ حُكْمَ الْجِمَاعِ فَأَفْطَرَ وَكَفَّرَ مَنْ أَصْبَحَ جَنْبًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ: فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ فَهَذَا أَثْبَتُ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَعَلَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ كَانَتْ بِأَنْ سَمِعَ صَاحِبُهَا مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ عَلَى مَعْنَى إذَا كَانَ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ عَمِلَ فِيهِ بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا وَصَفْنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَرِهْتهَا لَهُ، وَإِنْ فَعَلَهَا لَمْ يُنْقَضْ صَوْمُهُ وَمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ فَلاَ بَأْسَ لَهُ بِالْقُبْلَةِ، وَمِلْكُ النَّفْسِ فِي الْحَالَيْنِ عَنْهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعُ شَهْوَةٍ يُرْجَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثَوَابُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا لاَ يُنْقَضُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْقُبْلَةَ لَوْ كَانَتْ تَنْقُضُ صَوْمَهُ لَمْ يُقَبِّلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُرَخِّصْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فِيهَا كَمَا لاَ يُرَخِّصُونَ فِيمَا يُفْطِرُ وَلاَ يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ إلَى شَهْوَةٍ فَعَلَهَا الصَّائِمُ لَهَا وَلاَ غَيْرِ شَهْوَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَضْحَكُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ قَالَتْ وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا وَصَفْت، لَيْسَ اخْتِلاَفًا مِنْهُمْ: وَلَكِنْ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لِئَلَّا يَشْتَهِيَ فَيُجَامِعَ، وَبِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ السَّائِلِ أَوْ يَظُنُّ بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ: إنِّي لاَ أَجِدُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ. فَقَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحْوَجَ مِنِّي، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: «كُلْهُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: أَصَبْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَسْطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: فَاجْلِسْ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ فَقَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقَ بِهِ». فَقَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحْوَجَ مِنِّي. قَالَ: «فَكُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَان مَا أَصَبْت». قَالَ عَطَاءٌ: فَسَأَلْت سَعِيدًا كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ؟ قَالَ: مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إلَى عِشْرِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَدِيثٍ غَيْرِ هَذَا: «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ يُعْتِقُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلْهُ وَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ، مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِيهِ لَيْسَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ تَطَوَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي شَيْءٍ أَتَى بِهِ: كَفِّرْ بِهِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْحَاجَةَ وَلَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ قَبَضَهُ قَالَ: «كُلْهُ وَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» وَجَعَلَ لَهُ التَّمْلِيكَ حِينَئِذٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَلَكَهُ فَلَمَّا مَلَكَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ كَانَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ فَكَانَ لَهُ أَكْلُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَيَحْتَمِلُ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ مَتَى أَطَاقَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ، وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إلَيْنَا وَأَقْرَبَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ، وَيَحْتَمِلُ إنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ فَكَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ وَأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَضَعَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ إنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَيُجْزِي عَنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ فِي حَالِهِ تِلْكَ عَلَى الْكَفَّارَةِ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ سَاقِطَةً عَنْهُ إذَا كَانَ مَغْلُوبًا كَمَا تَسْقُطُ الصَّلاَةُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَغْلُوبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَحْتَمِلُ إذَا كَفَّرَ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ بَدَلاً مِنْ الصِّيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصِّيَامُ مَعَ الْكَفَّارَةِ- وَلِكُلٍّ وَجِهَةٌ. قال: وَأُحِبُّ أَنْ يُكَفِّرَ مَتَى قَدَرَ وَأَنْ يَصُومَ مَعَ الْكَفَّارَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مَدٌّ لاَ مُدَّيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ مُدَّيْنِ وَهَذَا خِلاَفُ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ جَامَعَ يَوْمًا فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ يَوْمًا فَكَفَّرَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ فَلِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ كُلِّ يَوْمٍ غَيْرُ فَرْضِ الْمَاضِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ كَفَّرَ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى يَعُودَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَرَمَضَانُ كُلُّهُ وَاحِدٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: لَيْسَ فِي هَذَا خَبَرٌ بِمَا قُلْت وَالْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً مَرَّةً بِكَفَّارَةٍ، وَفِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ يَوْمًا آخَرَ أُمِرَ بِكَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت؟ قَالَ: أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ مِرَارًا كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؟ قُلْنَا: وَأَيُّ شَيْءٍ الْحَجُّ مِنْ الصَّوْمِ؟ الْحَجُّ شَرِيعَةُ، وَالصَّوْمُ أُخْرَى، قَدْ يُبَاحُ فِي الْحَجِّ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَيَحْرُمُ فِي الصَّوْمِ وَيُبَاحُ فِي الصَّوْمِ اللُّبْسُ وَالصَّيْدُ وَالطِّيبُ وَيَحْرُمُ فِي الْحَجِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَجُّ إحْرَامٌ وَاحِدٌ وَلاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُ إلَّا بِكَمَالِهِ وَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَالُهُ بِنَفْسِهِ وَنَقْصُهُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَصُومُ الْيَوْمَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ يُفْطِرُ وَقَدْ كَمَّلَ الْيَوْمَ وَخَرَجَ مِنْ صَوْمِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي آخَرَ فَلَوْ أَفْسَدَهُ لَمْ يُفْسِدْ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْحَجُّ مَتَى أُفْسِدَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَسَدَ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى كَثِيرٌ مِنْ عَمَلِهِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، الَّذِي يَقِيسُهُ بِالْحَجِّ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُجَامِعَ فِي الْحَجِّ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ شَاةٌ قَبْلَ عَرَفَةَ وَيَفْسُدُ حَجُّهُ، وَبَدَنَةٌ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلاَ يَفْسُدُ حَجُّهُ. وَهَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّوْمِ لاَ يَخْتَلِفُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ إنَّمَا عَلَيْهِ رَقَبَةٌ فِيهِمَا وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَفَّارَتَيْنِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ يَوْمًا ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ كَفَّرَ وَهُوَ لَوْ كَفَّرَ عِنْدَهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْجِمَاعِ ثُمَّ عَادَ لِجِمَاعٍ آخَرَ لَمْ يُعِدْ الْكَفَّارَةَ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْحَجُّ وَاحِدٌ وَأَيَّامُ رَمَضَانَ مُتَفَرِّقَةٌ، قُلْت: فَكَيْفَ تَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ وَهُوَ يُجَامِعُ فِي الْحَجِّ فَيُفْسِدُهُ ثُمَّ يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ هَكَذَا الصَّوْمُ وَلاَ الصَّلاَةُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فَأَقِيسُهُ بِالْكَفَّارَةِ قُلْنَا: هُوَ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَبْعَدُ، الْحَانِثُ يَحْنَثُ غَيْرُ عَامِدٍ لِلْحِنْثِ فَيُكَفِّرُ وَيَحْنَثُ عَامِدًا فَلاَ يُكَفِّرُ عِنْدَك وَأَنْتَ إذَا جَامَعَ عَامِدًا كَفَّرَ، وَإِذَا جَامَعَ غَيْرَ عَامِدٍ لَمْ يُكَفِّرْ فَكَيْفَ قِسْته بِالْكَفَّارَةِ وَالْمُكَفِّرُ لاَ يُفْسِدُ عَمَلاً يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلاَ يَعْمَلُ بَعْدَ الْفَسَادِ شَيْئًا يَقْضِيهِ إنَّمَا يَخْرُجُ بِهِ عِنْدَك مِنْ كِذْبَةٍ حَلَفَ عَلَيْهَا وَهَذَا يَخْرُجُ مِنْ صَوْمٍ وَيَعُودُ فِي مِثْلِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَامَعَ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ جَامَعَ بَالِغَةً كَانَتْ كَفَّارَةً لاَ يُزَادُ عَلَيْهَا عَلَى الرَّجُلِ، وَإِذَا كَفَّرَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَعَنْ امْرَأَتِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ أَلاَ تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ تُكَفِّرُ الْمَرْأَةُ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْخَبَرِ فِي الَّذِي جَامَعَ فِي الْحَجِّ تُكَفِّرُ الْمَرْأَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا بَالُ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي الْجِمَاعِ وَلاَ تَكُونُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا؟ قِيلَ الْحَدُّ لاَ يُشْبِهُ الْكَفَّارَةَ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْحَدَّ يَخْتَلِفُ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ وَلاَ يَخْتَلِفُ الْجِمَاعُ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ مَعَ افْتِرَاقِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَا نَدَّعِي إذَا فَرَّقَتْ الْأَخْبَارُ بَيْنَ الشَّيْءِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ كَمَا فَرَّقَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ جَامَعَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ فَقَدْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِهِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ وَهَذَا كَانَ عِنْدَنَا أَوْلَى أَنْ يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي رَمَضَانَ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِذَا اقْتَصَرَ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ فِيهِ فِي الْجِمَاعِ وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ الْبَدَلَ مِنْهُ فَكَيْفَ قَاسَ عَلَيْهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَلَمْ تَأْتِ فِيهِ كَفَّارَةٌ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ جَامَعَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَمْ يُكَفِّرْ. وَإِنْ جَامَعَ عَلَى شُبْهَةٍ مِثْلَ أَنْ يَأْكُلَ نَاسِيًا فَيَحْسِبُ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ فَيُجَامِعُ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي السَّهْوِ فِي الصَّلاَةِ إذْ زَعَمُوا أَنَّ مَنْ جَامَعَ عَلَى شُبْهَةٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فَمَنْ تَكَلَّمَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْكَلاَمَ فِي الصَّلاَةِ كَانَ لَهُ مُبَاحًا أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ فَسَادُ صَلاَتِهِ. `. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ، مِنْ غَيْرِ لَمْسٍ وَلاَ تَلَذُّذٍ بِهَا: فَصَوْمُهُ تَامٌّ لاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ إلَّا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ أَنْ يَلْتَقِي الْخِتَانَانِ، فَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي فِطْرٍ فِي غَيْرِ جِمَاعٍ، وَلاَ طَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ وَلاَ غَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: تَجِبُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ كَمَا تَجِبُ بِالْجِمَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: السُّنَّةُ جَاءَتْ فِي الْمُجَامِعِ، فَمَنْ قَالَ لَكُمْ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؟ قَالَ قُلْنَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْجِمَاعِ فَقُلْنَا: أَوْ يُشْبِهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ الْجِمَاعَ فَتَقِيسُهُمَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فِي وَجْهٍ مِنْ أَنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ يُفْطِرَانِ فَقِيلَ لَهُمْ فَكُلُّ مَا وَجَدْتُمُوهُ مُحَرَّمًا فِي الصَّوْمِ يُفَطِّرُ قَضَيْتُمْ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ؟ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ أَكَلَ طَيِّبًا أَوْ دَوَاءً؟ قَالَ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قُلْنَا: وَلِمَ؟ قَالَ: هَذَا لاَ يَغْذُو الْجَسَدَ قُلْنَا: إنَّمَا قِسْت هَذَا بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ يُفَطِّرُ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَك مُحَرَّمٌ يُفَطِّرُ. قَالَ: هَذَا لاَ يَغْذُو الْجَسَدَ، قُلْنَا وَمَا أَدْرَاك أَنَّ هَذَا لاَ يَغْذُو الْبَدَنَ وَأَنْتَ تَقُولُ إنْ ازْدَرَدَ مِنْ الْفَاكِهَةِ شَيْئًا صَحِيحًا فَطَّرَهُ وَلَمْ يُكَفِّرْ وَقَدْ يَغْذُو هَذَا الْبَدَنَ فِيمَا نَرَى وَقُلْنَا قَدْ صِرْت مِنْ الْفِقْهِ إلَى الطِّبِّ، فَإِنْ كُنْت صِرْت إلَى قِيَاسِ مَا يَغْذُو فَالْجِمَاعُ يَقُصُّ الْبَدَنَ وَهُوَ إخْرَاجُ شَيْءٍ يُنْقِصُ الْبَدَنَ وَلَيْسَ بِإِدْخَالِ شَيْءٍ فَكَيْفَ قِسْته بِمَا يَزِيدُ فِي الْبَدَنِ وَالْجِمَاعُ يُنْقِصُهُ؟ وَمَا يُشْبِعُهُ وَالْجِمَاعُ يُجِيعُ؟ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحُقْنَةَ وَالسَّعُوطَ يُفْطِرَانِ وَهُمَا لاَ يَغْذُوَانِ؟، وَإِنْ اعْتَلَكَ بِالْغِذَاءِ وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِمَا عِنْدَك كَانَ يَلْزَمُك أَنْ تَنْظُرَ كُلَّ مَا حَكَمْت لَهُ بِحُكْمِ الْفِطْرِ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ إنْ أَرَدْت الْقِيَاسَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ إنَّ هَذَا لَيَلْزَمُنَا كُلُّهُ وَلَكِنْ لِمَ لَمْ تَقِسْهُ بِالْجِمَاعِ؟ فَقُلْت لَهُ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فَقَدْ وَجَدْنَا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى عَلَى رَجُلٍ إنْ أَفْطَرَ مِنْ أَمْرٍ عَمَدَهُ الْقَضَاءَ وَلاَ يَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فِيهِ وَبِهَذَا قُلْت: لاَ كَفَّارَةَ إلَّا فِي جِمَاعٍ وَرَأَيْت الْجِمَاعَ لاَ يُشْبِهُ شَيْئًا سِوَاهُ رَأَيْت حَدَّهُ مُبَايِنًا لِحُدُودٍ سِوَاهُ وَرَأَيْت مَنْ رَأَيْت مِنْ الْفُقَهَاءِ مُجْتَمَعِينَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ إذَا أَصَابَ أَهْلَهُ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَمَضَى فِيهِ وَجَاءَ بِالْبَدَلِ مِنْهُ وَقَدْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ الصَّيْدُ وَالطِّيبُ وَاللُّبْسُ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَهُ لَمْ يُفْسِدْ حَجَّهُ غَيْرُ الْجِمَاعِ وَرَأَيْت مَنْ جَامَعَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ صَنَعَ مَا هُوَ أَقْذَرُ مِنْهُ، فَبِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ تَلَذَّذَ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى يُنْزِلَ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَمَا تَلَذَّذَ بِهِ دُونَ ذَلِكَ كَرِهْته وَلاَ يَفْسُدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَغَيَّبَهُ أَوْ بَهِيمَةً أَوْ تَلَوَّطَ أَفْسَدَ وَكَفَّرَ مَعَ الْإِثْمِ بِاَللَّهِ فِي الْمُحَرَّمِ الَّذِي أَتَى مَعَ إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا كُلِّهِ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلاَ يُعِيدُ صَوْمًا إلَّا أَنْ يُنْزِلَ فَيَقْضِيَ وَلاَ يُكَفِّرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي اللُّوطِيِّ وَمَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبْرِهَا فَقَالَ يَفْسُدُ وَقَالَ هَذَا جِمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَجْهِ الْجِمَاعِ الْمُبَاحِ وَوَافَقَهُ فِي الْآتِي لِلْبَهِيمَةِ قَالَ وَكُلُّ جِمَاعٍ، غَيْرُ أَنَّ فِي هَذَا مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُزَادُ عَلَيْهِ زِيدَ عَلَى الْآتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُفْسِدُ الْكُحْلُ، وَإِنْ تَنَخُّمَهُ فَالنُّخَامَةُ تَجِيءُ مِنْ الرَّأْسِ بِاسْتِنْزَالٍ وَالْعَيْنُ مُتَّصِلَةٌ بِالرَّأْسِ وَلاَ يَصِلُ إلَى الرَّأْسِ وَالْجَوْفِ عِلْمِي وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ الْكُحْلَ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَكْرَهُ الدُّهْنَ، وَإِنْ اسْتَنْقَعَ فِيهِ أَوْ فِي مَاءٍ فَلاَ بَأْسَ وَأَكْرَهُ الْعَلْكَ أَنَّهُ يَجْلِبُ الرِّيقَ، وَإِنْ مَضَغَهُ فَلاَ يُفْطِرُهُ وَبِذَلِكَ إنْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَلاَ يَسْتَبْلِغُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ: لِئَلَّا يَذْهَبَ فِي رَأْسِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ فِي رَأْسِهِ لَمْ يُفْطِرْهُ، فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ أَوْ الْجَوْفِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ عَامِدٌ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ فَطَّرَهُ. قَالَ الرَّبِيعُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الرَّبِيعُ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَكْرَهُ السِّوَاكَ بِالْعُودِ الرُّطَبِ وَالْيَابِسِ وَغَيْرِهِ: بُكْرَةً وَأَكْرَهُهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا أُحِبُّ مِنْ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفَطِّرْهُ وَمَا دَاوَى بِهِ قُرْحَةً مِنْ رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ فَخَلَصَ إلَى جَوْفِهِ فَطَّرَهُ إذَا دَاوَى وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ عَامِدٌ لِإِدْخَالِهِ فِي جَوْفِهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَطِّرُهُ الرَّطْبُ وَلاَ يُفَطِّرُهُ الْيَابِسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ إذَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ: بِمَنْزِلَةِ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ مِنْ الْمَأْكُولِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَنْزِلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سَبِيلِ الْأَكْلِ وَلاَ الشُّرْبِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لاَ يُفَطِّرَانِ، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ يُفَطِّرُ أَحَدُهُمَا وَلاَ يُفَطِّرُ الْآخَرُ فَهَذَا خَطَأٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يُنَزِّهَ صِيَامَهُ عَنْ اللَّغَطِ وَالْمُشَاتَمَةِ، وَإِنْ شُوتِمَ أَنْ يَقُولَ: أَنَا صَائِمٌ، وَإِنْ شَاتَمَ: لَمْ يُفَطِّرْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَدِمَ مُسَافِرٌ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ وَقَدْ كَانَ فِيهِ مُفْطِرًا وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ حَائِضًا فَطَهُرَتْ فَجَامَعَهَا لَمْ أَرَ بَأْسًا وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلاَ أَوْ شَرِبَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا غَيْرُ صَائِمَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ هُمَا غَيْرُ صَائِمَيْنِ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا إنْ فَعَلاَ وَأَكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ صِيَامٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَا صَائِمَيْنِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَفْعَلاَ، أَوْ يَكُونَا غَيْرَ صَائِمَيْنِ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ هَذَا عَلَى الصَّائِمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَوَقَّى ذَلِكَ لِئَلَّا يَرَاهُ أَحَدٌ فَيَظُنُّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ اشْتَبَهَتْ الشُّهُورُ عَلَى أَسِيرٍ فَتَحَرَّى شَهْرَ رَمَضَانَ فَوَافَقَهُ أَوْ مَا بَعْدَهُ مِنْ الشُّهُورِ فَصَامَ شَهْرًا أَوْ ثَلاَثِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ صَامَ مَا قَبْلَهُ فَقَدْ قَالَ قَائِلٌ لاَ يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَوْ شَهْرًا بَعْدَهُ فَيَكُونُ كَالْقَضَاءِ لَهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ. وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ فَتَأَخَّاهُ أَجْزَأَهُ قَبْلُ كَانَ أَوْ بَعْدُ، كَانَ هَذَا مَذْهَبًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّى الْقِبْلَةَ، فَإِذَا عَلِمَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّلاَةِ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَيُجْزِي ذَلِكَ عَنْهُ فِي خَطَأِ عَرَفَةَ وَالْفِطْرِ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ النَّاسُ فِي الْمَغِيبِ الظَّاهِرُ، وَالْأَسِيرُ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُور فَهُوَ مِثْلُ الْمَغِيبِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الرَّبِيعُ: وَآخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِيهِ إذَا صَامَهُ عَلَى الشَّكِّ حَتَّى يُصِيبَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ شَهْرًا بَعْدَهُ وَآخِرُ قَوْلِهِ فِي الْقِبْلَةِ كَذَلِكَ لاَ يُجْزِيهِ وَكَذَلِكَ لاَ يُجْزِيهِ إذَا تَأَخَّى، وَإِنْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا كَانَ تَأَخِّيهِ بِلاَ دَلاَلَةٍ وَأَمَّا عَرَفَةُ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَيُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ إنَّمَا يَفْعَلُهُ بِاجْتِمَاعِ الْعَامَّةِ عَلَيْهِ وَالصَّوْمُ وَالصَّلاَةُ شَيْءٌ يَفْعَلُهُ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ خَاصَّةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ لاَ يَنْوِي الصَّوْمَ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَتَمَّ صَوْمَهُ رَأَيْت إعَادَةَ صَوْمِهِ، وَسَوَاءٌ رَأَى ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إذَا أَصْبَحَ لاَ يَنْوِي صِيَامَهُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَلِكَ لَوْ أَصْبَحَ يَنْوِي صَوْمَهُ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ رَمَضَانَ وَلاَ أَرَى رَمَضَانَ يُجْزِيهِ إلَّا بِإِرَادَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَذْرِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُجْزِي إلَّا بِنِيَّةٍ فَرْقًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا نَوَى الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ مُسَافِرًا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ مُقِيمًا. قَالَ الرَّبِيعُ: وَفِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا مِنْ كُتُبِهِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَفْطَرَ بِالْكَدِيدِ أَنَّهُ نَوَى صِيَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ مُقِيمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ نَوَاهُ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَ الْفَجْرِ كَانَ كَأَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ حَتَّى سَافَرَ وَكَانَ لَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُتِمَّ فَيَصُومُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَأَخَّى الرَّجُلُ الْقِبْلَةَ بِلاَ دَلاَئِلَ فَلَمَّا أَصْبَحَ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ كَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى حِينَ صَلَّى عَلَى الشَّكِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ نُهِيَ عَنْ صِيَامِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ لاَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلاَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِي وَقَدْ يَسْمَعُ بَعْضُ النَّاسِ النَّهْيَ وَلاَ يَسْمَعُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ فَيَقُولُ بِالنَّهْيِ جُمْلَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْت لَك أَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَافْطُرْ». أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت، فَإِنْ قَالَ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ قَدْ سَمَّى الَّذِينَ صَامُوا الْعُصَاةَ فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ لِلتَّقَوِّي لِلْعَدُوِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُحَارَبًا عَامَ نُهِيَ عَنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَأَبَى قَوْمٌ إلَّا الصِّيَامَ فَسَمَّى بَعْضَ مَنْ سَمِعَ النَّهْيَ الْعُصَاةَ إذْ تَرَكُوا الْفِطْرَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا قَبُولَ الرُّخْصَةِ وَرَغِبُوا عَنْهَا وَهَذَا مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا، إنَّمَا نَقُولُ يُفْطِرُ أَوْ يَصُومُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ لَهُ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» قِيلَ: لَيْسَ هَذَا بِخِلاَفِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَلَكِنَّهُ كَمَا وَصَفْت إذَا رَأَى الصِّيَامَ بِرًّا وَالْفِطْرَ مَأْثَمًا وَغَيَّرَ بِرَغْبَةٍ عَنْ الرُّخْصَةِ فِي السَّفَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ الْفَجْرَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ الْبَلَدِ الَّذِي يَنْوِي الْمُقَامَ بِهِ وَهُوَ يَنْوِي الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَزْمَعَ الْفِطْرَ ثُمَّ أَزْمَعَ الصَّوْمَ بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَتَرَكَ الصَّوْمَ فَهُوَ حِينَئِذٍ يُلْزَمُ بِالْقَضَاءِ وَيُكَفَّرُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ لاَ يَصِحُّ حَتَّى يَمُوتَ فَلاَ صَوْمَ عَلَيْهِ وَلاَ كَفَّارَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ مُخَالِفٌ لِلَّذِي عَلَيْهِ الصَّوْمُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ لاَ يُجْزِيهِمْ عِنْدِي إلَّا إجْمَاعُ الصَّوْمِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاَلَّذِي يَتَطَوَّعُ بِالصَّوْمِ مَا لَمْ يَأْكُلَ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَإِنْ أَصْبَحَ يُجْزِيهِ الصَّوْمُ، وَإِنْ أَفْطَرَ الْمُتَطَوِّعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَرِهْته لَهُ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَخَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِذَا دَخَلَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَنْ يَقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِهِمَا الَّذِي أَفْطَرَتَا فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لَهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ إنَّمَا حَدَّثَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ لاَ نَعْرِفُهُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمَا عَلَى مَعْنَى إنْ شَاءَتَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَقْضِيَ نَذْرًا نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ عَلَى مَعْنَى إنْ شَاءَ. قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى مَا قُلْت فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخَبَرِ لَيْسَ فِيهِ مَا قُلْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت إنَّا خَبَّأْنَا لَك حَيْسًا فَقَالَ: «أَمَا إنِّي كُنْت أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ الْقَضَاءُ إذَا خَرَجَ مِنْ الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ حِينَئِذٍ مِنْهُ لاَ يَجُوزُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عَمَلٍ عَلَيْهِ تَمَامُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالِاعْتِكَافُ وَكُلُّ عَمَلٍ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَنْ لاَ يَدْخُلَ فِيهِ فَلَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ إكْمَالِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَتَمَّهُ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ أَمَرْته إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَنْ يَعُودَ فِيهِمَا فَيَقْضِيَهُمَا مَرَّتَيْنِ دُونَ الْأَعْمَالِ؟ قُلْنَا: لاَ يُشْبِهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الصَّوْمَ وَلاَ الصَّلاَةَ وَلاَ مَا سِوَاهُمَا. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ يَمْضِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْفَسَادِ كَمَا يَمْضِي فِيهِمَا قَبْلَ الْفَسَادِ وَيُكَفِّرُ وَيَعُودُ فِيهِمَا؟ وَلاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَ الصَّلاَةَ لَمْ يَمْضِ فِيهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَاسِدَةً بِلاَ وُضُوءٍ وَهَكَذَا الصَّوْمُ إذَا أُفْسِدَ لَمْ يَمْضِ فِيهِ. أَوْ لاَ تَرَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُتَطَوِّعًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَلاَ يُكَفِّرُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلاَ فِي الِاعْتِكَافِ وَلاَ فِي التَّطَوُّعِ فِي الصَّوْمِ؟ وَقَدْ رَوَى الَّذِينَ يَقُولُونَ بِخِلاَفِنَا فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ، وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَبِيهًا بِهِ فِي الطَّوَافِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: مَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ قَضَاهُنَّ فِي أَيِّ وَقْتٍ مَا شَاءَ فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوْ غَيْرِهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَحْصَيْت الْعِدَّةَ فَصُمْهُنَّ كَيْفَ شِئْت. قال: وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ مَرِضَ وَسَافَرَ الْمُفْطِرُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَقْدِرْ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ قَضَاهُنَّ وَلاَ كَفَّارَةَ، وَإِنْ فَرَّطَ وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُومَ حَتَّى يَأْتِيَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الرَّمَضَانَ الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ وَقَضَاهُنَّ. وَكَفَّرَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا أَطَاقَتَا الصَّوْمَ وَلَمْ تَخَافَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَتَا لاَ تَقْدِرَانِ عَلَى الصَّوْمِ فَهَذَا مِثْلُ الْمَرَضِ أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلاَ كَفَّارَةَ إنَّمَا كَكُفْرَانٍ بِالْأَثَرِ وَبِأَنَّهُمَا لَمْ تُفْطِرَا لِأَنْفُسِهِمَا إنَّمَا أَفْطَرَتَا لِغَيْرِهِمَا فَذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ لاَ يُكَفِّرُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ خَبَرًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقْ الْحَجَّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ عَمَلُ غَيْرِهِ عَنْهُ عَمَلَهُ نَفْسِهِ كَمَا لَيْسَ الْكَفَّارَةُ كَعَمَلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ أَنْ يَكُونَ يُجْهِدُهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ وَالْحَامِلُ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا: أَفْطَرَتْ وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُحْتَمَلاً فَلاَ يُفْطِرُ صَاحِبُهُ، وَالصَّوْمُ قَدْ يُزِيدُ عَامَّةَ الْعِلَلِ وَلَكِنْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً وَيُنْتَقَصُ بَعْضُ اللَّبَنِ وَلَكِنَّهُ نُقْصَانٌ مُحْتَمَلٌ، فَإِذَا تَفَاحَشَ أَفْطَرَتَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ الْفِدْيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلاَةِ إذَا لَمْ يُطِقْهَا وَلاَ يَسْقُطُ فَرْضُ الصَّوْمِ؟ قِيلَ لَيْسَ يَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلاَةِ فِي حَالٍ تُفْعَلُ فِيهَا الصَّلاَةُ وَلَكِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا يُطِيقُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا فَيَكُونُ بَعْضُ هَذَا بَدَلاً مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ غَيْرُ الصَّلاَةِ بَدَلاً مِنْ الصَّلاَةِ، وَلاَ الصَّلاَةُ بَدَلاً مِنْ شَيْءٍ، فَالصَّوْمُ لاَ يُجْزِي فِيهِ إلَّا إكْمَالُهُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِ صَاحِبِهِ وَيُزَالُ عَنْ وَقْتِهِ بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ لاَ نَقْصَ فِيهِ كَمَا يَكُونُ بَعْضُ الصَّلاَةِ قَصْرًا وَبَعْضُهَا قَاعِدًا وَقَدْ يَكُونُ بَدَلاً مِنْ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ وَيَكُونُ الطَّعَامُ بَدَلاً مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ مَرِضَ فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ: فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إنَّمَا الْقَضَاءُ إذَا صَحَّ ثُمَّ فَرَّطَ، وَمَنْ مَاتَ وَقَدْ فَرَّطَ فِي الْقَضَاءِ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نُهِيَ عَنْ صَوْمِهَا وَهِيَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامُ مِنًى وَقَضَاهَا. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلاَنٌ صَامَهُ، وَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ وَقَدْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ يَوْمَ فِطْرٍ قَضَاهُ، وَإِنْ قَدِمَ لَيْلاً فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ الْغَدَ بِالنِّيَّةِ لِصَوْمِ يَوْمِ النَّذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَهُ وَاجِبًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَفْطَرَ وَقَضَاهُ. وَمَنْ نَوَى أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْفِطْرِ لَمْ يَصُمْهُ وَلَمْ يَقْضِهِ؛ لِأَنَّ لَيْسَ لَهُ صَوْمُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ أَيَّامَ حَيْضِهَا لَمْ تَصُمْهُ وَلَمْ تَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَصُومَهَا. قَالَ الرَّبِيعُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدُمُ فُلاَنٌ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدُمُ فِيهِ فُلاَنٌ فَقَدِمَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
|